الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }

روي عن أبي الضحى مسلم بن صبيح إن هذه الآية أول ما نزل من هذه السورة ثم نزل ما قبلها وما بعدها بعد ذلك، ولا يصح بهذا نقل، ولا يقبله فهم ولا عقل، والمتبادر من هذا السياق أن أوله خطاب الله للمؤمنين في قتال أهل الكتاب وما يسوغه وما ينتهي به من قبول الجزية منهم، ويتلوه إنكاره عليهم التثاقل عن النفر إذ استنفرهم الرسول لغزوة تبوك، وما قبله من أول السورة سياق مستقل تكلمنا عليه في أول تفسير السورة، وقد تقدم إن السورة نزلت كلها بعد غزوة تبوك وما قيل من استثناء الآيتين اللتين في آخرها، فإن صح أن شيئاً نزل منها قبل السفر فهذا السياق من أوله إلى آخره لا هذه الآية وحدها، وأما ما بعد هذه الآية فظاهر إن أكثره نزل في أثناء السفر ومنه ما نزل بعده كما سنوضحه.

وأما وجه اتصال الآية بما قبلها فهو أنه لما وبخ الله تعالى المؤمنين على التثاقل عن النفر لما استنفرهم الرسول صلى الله عليه وسلم قفى عليه ببيان حكم النفير العام، الذي يوجب القتال على كل فرد من الأفراد بما استطاع، ولا يعذر فيه أحد بالتخلف عن الإقدام، وترك طاعة الإمام، فقال.

{ ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } الخفاف بالكسر جمع خفيف والثقال جمع ثقيل. والخفة والثقل يكونان بالأجسام وصفاتها من صحة ومرض، ونحافة وسمن، وشباب وكبر، ونشاط وكسل، ويكونان بالأسباب والأحوال، كالقلة والكثرة في المال والعيال، ووجود الظهر (الراحلة) وعدمه، وثبوت الشواغل وانتفائها. فإذا أعلن النفير العام، وجب الامتثال إلا في حال العجز التام، وهو ما بينه تعالى في الآية 91 من هذا السياقلَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } [التوبة: 91] الآية، وعذر القسم الثالث مشروط بما إذا لم يجد الإمام أو نائبه ما ينفق عليهم كما ذكر في الآية وستأتي.

وما ورد عن مفسري السلف من تفسير الخفاف والثقال ببعض ما ذكرنا من الكليات فهو للتمثيل لا للحصر، قال ابن عباس في تفسيرهما: نشاطا وغير نشاط. وفي رواية عنه: موسرين ومعسرين، وفي رواية ثالثة خفافا من السلاح أي مقلين منه، وثقالا به أي مستكثرين منه. والحسن والضحاك ومجاهد وقتادة وعكرمة: شبانا وشيوخا. وعطية العوفي: ركباناً ومشاة. وأبو صالح: فقراء وأغنياء. وقال ابن زيد في معناه: الثقيل الذي له الضيعة يكره إن يدع ضيعته. وقال الحكم بن عيينة: مشاغيل وغير مشاغيل.

ومما هو نص في إرادة عموم الأحوال قول أبي أيوب الأنصاري - وقد شهد المشاهد كلها إلا غزوة واحدة: قال الله تعالى: { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } فلا أجدني إلا خفيفا أو ثقيلا.

السابقالتالي
2 3