الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله تعالى: { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ }: الظاهرُ أن " ما " هذه موصولةٌ بمعنى الذي، وكان مِنْ حقها أن تُكتب منفصلةً من " أنَّ " كما كُتِبَتْإِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ } [الأنعام: 134] منفصلةً ولكن كذا رُسِمت. و " غَنِمْتم " صلتُها، وعائدها محذوف لاستكمال الشروط أي: غَنِمْتموه. وقوله: { فأنَّ الله } الفاءُ مزيدةٌ في الخبر، لأن المبتدأ ضُمِّن معنى الشرط، ولا يَضُرُّ دخولُ الناسخ عليه لأنه لم يغيِّرْ معناه وهذا كقوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ } [البروج: 10] ثم قال: " فلهم ". والأخفش مع تجويزه زيادةَ الفاء في خبر المبتدأ مطلقاً يمنع زيادتها في الموصول المشبه بالشرط إذا دخلَتْ عليه " إنَّ " المكسورة، وآيةُ البروج حجَّةٌ عليه. وإذا تقرَّر هذا فـ " أنَّ " وما عَمِلَتْ فيه في محلِّ رفع على الابتداء، والخبرُ محذوفٌ تقديرُه: فواجبٌ أن لله خُمُسَه، والجملة من هذا المبتدأ والخبر خبر لـ " أنَّ ". وظاهر كلام الشيخ أنه جَعَلَ الفاءَ داخلةً على " أن لله خُمُسَه " من غير تقديرِ أن تكونَ مبتدأ وخبرها محذوف، بل جَعَلَها بنفسها خبراً، وليس مرادُه ذلك، إذ لا تدخل هذه الفاءُ على مفردٍ بل على جملةٍ، والذي يُقَوِّي إرادَته ما ذكرتُه أنه حكى قولَ الزمخشري أعني كونَه قَدَّره أنَّ " أنَّ " وما في حَيِّزها مبتدأٌ محذوفُ الخبر، فَجَعَله قولاً زائداً على ما قدَّمه.

ويجوز في " ما " أن تكونَ شرطيةً، وعاملُها " غَنِمْتُم " بعدها، واسمُ " أنَّ " حينئذٍ ضميرُ الأمرِ والشأن وهو مذهبُ الفراء. إلا أن هذا لا يجوز عند البصريين إلا ضرورةً بشرط أَنْ لا يليها فعل كقوله:
2417ـ إنَّ مَن يدخلِ الكنيسةِ يوماً   يَلْقَ فيها جآذِراً وظِباءَ
وقول الآخر:
2418- إنَّ مَنْ لام في بني بنتِ حَسَّا   نَ أَلُمْهُ وأَعْصِهِ في الخُطوبِ
وقيل: الفاءُ زائدةٌ و " أن " الثانيةُ بدلٌ من الأولى. وقال مكي: " وقد قيل: إن الثانيةَ مؤكدةٌ للأولى، وهذا لا يجوز لأن " أنَّ " الأولى تبقى بغير خبرٍ، ولأنَّ الفاء تحول بين المؤكَّد والمؤكِّد، وزيادتُها لا تَحْسُن في مثل هذا ". وقيل: " ما " مصدريةٌ والمصدر ـ بمعنى المفعول أي: أنَّ مَغْنومكم ـ [هو] المفعول به، أي: واعلموا أنَّ غُنْمكم، أي مغنومكم.

قوله: { مِّن شَيْءٍ } في محلِّ نصبٍ على الحال مِنْ عائد الموصول المقدَّر، والمعنى: ما غنمتموه كائناً من شيء أي: قليلاً أو كثيراً. وحكى ابن عطية عن الجعفي عن أبي بكر عن عاصم، وحكى غيرُه عن الجعفي عن هارون عن أبي عمرو: " فإن لله " بكسر الهمزة. ويؤيد هذه القراءة قراءة النخعي " فللَّه خمسُه " فإنها استئناف.

السابقالتالي
2 3