الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قوله تعالى: { يُلْحِدُونَ.. } [فصلت: 40] أي: يميلون بآيات الله عن الحق والاستقامة إلى باطل يروْنَهُ هم حقاً، أو يحرِّفون الآيات تبعاً لأهوائهم لأن آيات الله لها معانٍ، فهم يُلحدون فيها. يعني: يُخفونها ويُظهرون لها معانيَ أخرى باطلة، كما نلحد نحن الميت في باطن الأرض، بعد أنْ كان يسيرُ عليها، فالمعنى يُخْفُون حقائقها ليُرضُوا كفرهم وهواهم. ومن الإلحاد في آيات الله ما وقع فيه البعض من التشبيه أو التمثيل في أسماء الله وصفاته، فحين يقفون عند صفة لله تعالى يُوجد مثلها في البشر يُشبِّهون، فالله له سمع ليس كسمعنا، وله يد ليست كأيدينا، وله بصر ليس كبصرنا، إذن: لا بدَّ أنْ نأخذ هذه الصفات في إطار عام للآيات الكليةلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.. } [الشورى: 11]. ومنه قولهم عن المعجزة سِحْر في قصة سيدنا موسى - عليه السلام - مع فرعون وفَرْق بين السحر والمعجزة، المعجزة حقيقة والسحر تخييل بعيد عن الحقيقة، صحيح أن معجزة موسى عليه السلام كانت من جنس السحر لأنه المجال الذي نبغ فيه قومه لكنها لم تكُنْ سحراً. فالحبال التي رماها سحرة فرعون رآها موسى ثعابينَ تسعى، أما السَّحَرة أنفسهم فيروْنَها حبالاً، فالسحر يُخيل لك الشيء أنه غيره مع أنه ليس كذلك في الحقيقة إنه مجرد خيال، لذلك قال تعالى:يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } [طه: 66] تخييل لا حقيقة. لكن لما ألقى موسى عصاه، ماذا حدث؟ تحولتْ إلى حية حقيقية، بدليل قوله تعالى:فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } [طه: 67] ولا يمكن أنْ يخاف موسى من عصاه وهي عصاً لا بدّ أنها انقلبتْ إلى حية بالفعل وهو يراها كذلك، وبدليل أيضاً أن سحرة فرعون وكانوا كثرة، ولهم تمرُّس بأساليب السحر ويستطيعون التمييز بين السحر والحقيقة، رأيناهم يرفعون راية التسليم لموسى ويؤمنون معه، لماذا؟ لأنهم رأوا معجزة هم أخْبَرُ الناس بها، وأنها ليست سِحْراً من جنس سحرهم، ولا تخييل كما يفعلون هم، ولو كان فعْل موسى تخييلاً ما قال الله له:خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلأُولَىٰ } [طه: 21]. وكما قالوا في موسى - عليه السلام - أنه ساحر قالوها في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والردّ عليها كما أوضحنا بسيط، نقول لهم: لو كان محمد ساحراً سحر مَنْ آمن به، فلماذا لم يسحركم أنتم وتنتهي المسألة؟ ومن إلحادهم في آيات الله قولهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مجنون مع أنهم ما جرَّبوا عليه شيئاً من ذلك، وعُرِف بينهم بالصادق الأمين، واتصف فيهم بكريم الأخلاق، وصاحب الخلق لا يكون أبداً مجنوناً، وقد ردّ الله عليهممَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } [القلم: 2]. ومن إلحادهم في القرآن أنهم قالوا عنه إنه شعر، وعجيبٌ منهم ذلك لأنهم أعرفُ الناس بأساليب الشعراء وتعبيرات الشعراء، هم يعرفون أن القرآن مُعْجز، وأنه من عند الله، وأن أسلوبه لا يُضاهَى، وأنه فريدٌ من نوعه ومع ذلك يكذبون، وهذا هو الإلحاد.

السابقالتالي
2 3