الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُجْرِمِينَ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ } أي: لا تفتح لأعمالهم، ولا لدعائهم، ولا لشيء مما يريدون به طاعة الله. أي: لا يقبل ذلك منهم؛ لأنه ليس صالحاً ولا طيباً، وقد قال سبحانه:إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر: 10]، قال ابن عباس: أي: لا يرفع لهم منها عمل صالح، ولا دعاء - رواه جماعة عنه. وقاله مجاهد وابن جبير. أو المعنى: لا تنزل عليهم البركة والرحمة، ولا يغاثون، لأنه أجرى العادة بإنزال الرحمة من السماء، كما في قوله:فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } [القمر: 11]. أو المعنى: لا يؤذن لهم في صعود السماء، ولا يطرق لهم إليها ليدخلوا الجنة، على ما روي أن الجنة في السماء. أو المعنى: لا تفتح لأرواحهم، إذا ماتوا أبواب السماء، كما تفتح لأرواح المؤمنين - رواه الضحاك عن ابن عباس - ورواه ابن جرير عن البراء؛ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح الفاجر، وأنه يصعد بها إلى السماء، فيصعدون بها، فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان! (بأقبح أسمائه التي كان يدعى بها في الدنيا) حتى ينتهوا بها إلى السماء، فيستفتحون له، فلا يفتح له. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ... } " الآية - قال ابن كثير: هكذا رواه. وهو قطعة من حديث طويل، رواه الإمام أحمد مطولاً وأبو داود والنسائي وابن ماجة من طرق.

تنبيهات

الأول: قال الشهاب: كون السماء لها أبواب، وأنها تفتح للدعاء الصالح، وللأعمال الصاعدة، أو للأرواح - وارد في النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، فلا حاجة إلى تأويل. انتهى.

وهذا على قاعدة أهل الظاهر في مثل ذلك، إلا أن الإطلاق لا ينحصر في الحقيقة. والتنزيل الكريم، إنما ورد على مناحٍ للعرب معروفة في لسانهم - والله أعلم.

الثاني: التضعيف في (تفتح) لتكثير المفعول، لا الفعل، لعدم مناسبة المقام.

الثالث: قرئ بالتخفيف في (تفتح) وبالتخفيف، والياء، وقرئ على البناء للفاعل، ونصب الأبواب، على أن الفعل للآيات مجازاً، وبالياء على أنه لله تعالى.

{ وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ } أي: يدخل: { ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ } أي: ثقب الإبرة، وهو غير ممكن، فكذا دخولهم.

لطائف

الأول: قرأ الجمهور (الجَمَل) بفتح الجيم والميم، وفسروه: بأنه الجمل المعروف وهو البعير. قال الفراء: الجمل زوج الناقة. وقال شمر: البكر والبكرة بمنزلة الغلام والجارية، والجمل والناقة بمنزلة الرجل والمرأة. وقرئ في الشواذ (الجُمَّل) كسكَّر وصُرد وقُفْل وعُنُق وجَبْل بمعنى حبل السفينة الغليظ الذي يقال له: (القَلْس).

وقال أبو البقاء: يقرأ في الشاذ بسكون الميم، والأحسن أن يكون لغة؛ لأن تخفيف المفتوح ضعيف؛ ويقرأ بضم الجيم وفتح الميم وتشديدها، وهو الحبل الغليظ، وهو جمع مثل صُوَّم وقُوَّم، ويقرأ بضم الجيم والميم مع التخفيف وهو جمع مثل أسَد وأُسُد؛ ويقرأ كذلك إلا أن الميم ساكنة، وذلك على تخفيف المضموم - انتهى.

السابقالتالي
2