الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ }

{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } تأكيد لأمر الإنكار عليهم والتخطئة في موالاة الكفار بقصة إبراهيم عليه السلام ومن معه ليعلم أن الحب في الله تعالى والبغض فيه سبحانه من أوثق عرا الإيمان فلا ينبغي أن يغفل عنهما. والأسوة بضم الهمزة وكسرها وهما لغتان، وبالكسر قرأ جميع القراء إلا عاصماً وهي بمعنى الائتساء والاقتداء، وتطلق على الخصلة التي من حقها أن يؤتسى ويقتدى بها، وعلى نفس الشخص المؤتسى به، / ففي زيد أسوة من باب التجريد نحو:
وللضعفاء في الرحمن كاف   
وفي البيضة عشرون منا حديد وكل من ذلك قيل: محتمل في الآية، ورجح إرادة الخصلة لأن الاستثناء الآتي عليها أظهر. و { لَكُمْ } للبيان متعلق بمحذوف كما في سقيا لك، أو هو متعلق بكان على رأي من يجوز تعلق الظرف بها، { وأسوة } اسمها و { حَسَنَةٌ } صفته، و { فِى إِبْرٰهِيمَ } خبرها، أو { لَكُمْ } هو الخبر، و { فِى إِبْرٰهِيمَ } صفة بعد صفة ـ لأسوة ـ أو خبر بعد خبر ـ لكان ـ أو حال من المستكن في { لَكُمْ } على ما قيل، أو في { حَسَنَةٌ } ولم يجوز كونه صلة { أُسْوَةٌ } بناءاً على أنها مصدر، أو اسمه وهو إذا وصف لا يعمل مطلقاً لضعف شبهه بالفعل، قيل: وإذا قلنا: إنها ليست مصدراً ولا اسمه، أو قلنا: إنه يغتفر عمله وإن وصف قبل العمل في الظرف للاتساع فيه جاز ذلك.

والظاهر أن المراد ـ بالذين معه ـ عليه السلام أتباعه المؤمنون لكن قال الطبري وجماعة: المراد بهم الأنبياء الذين كانوا قريباً من عصره عليه وعليهم الصلاة والسلام لأنه عليه السلام لم يكن معه وقت مكافحته قومه وبراءته منهم أتباع مؤمنون كافحوهم معه وتبرءوا منهم، فقد روي أنه قال لسارة حين رحل إلى الشام مهاجراً من بلد نمروذ: ما على الأرض من يعبد الله تعالى غيري وغيرك، وأنت تعلم أنه لا يلزم وجود الأتباع المؤمنين في أول وقت المكافحة بل اللازم وجودهم ولو بعد، ولا شك في أنهم وجدوا بعد فليحمل من معه عليهم، ويكون التبري المحكي في قوله تعالى: { إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءاؤاْ مّنْكُمْ } الخ وقت وجودهم. و { إِذْ } قيل: ظرف لخبر { كَانَ } والعامل الجار والمجرور أو المتعلق، أو ـ لكان ـ نفسها على ما مر، أو بدل من { أُسْوَةٌ } و { برآء } جمع بريء كظريف وظرفاء.

وقرأ الجحدري { بَرَاء } كظراف جمع ظريف أيضاً، وقرأ أبو جعفر { براء } بضم الباء كتؤام وظؤار، وهو اسم جمع، الواحد بريء وتوام وظئر، وقال الزمخشري: إن ذلك على إبدال الضم من الكسر كرخال بضم الراء جمع رخل، وتعقب بأنه ضم أصلي، والصيغة من أوزان أسماء الجموع، وليس ذلك جمع تكسير فتكون الضمة بدلاً من الكسرة.

السابقالتالي
2 3 4 5