الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

وقوله تعالى: { فِى بِضْعِ سِنِينَ } متعلق بسيغلبون أيضاً. والبضع ما بين الثلاث إلى العشرة عن الأصمعي، وفي «المجمل» ما بين الواحد: إلى التسعة، وقيل هو ما فوق الخمس ودون العشر وقال المبرد: ما بين العقدين في جميع الأعداد. روي أن فارس غزوا الروم فوافوهم بأذرعات وبصرى فغلبوا عليهم فبلغ ذلك النبـي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم بمكة فشق ذلك عليهم وكان صلى الله عليه وسلم يكره أن يظهر الأميون من المجوس على أهل الكتاب من الروم وفرح الكفار بمكة وشمتوا فلقوا أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم الله فأنزل الله تعالى:الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ } [الروم: 1-2] الآيات فخرج أبو بكر رضي الله تعالى عنه إلى الكفار فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا فلا تفرحوا ولا يقرن الله تعالى عينكم فوالله تعالى ليظهرن الروم على فارس أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم فقام إليه أبـي بن خلف فقال: كذبت فقال له: أبو بكر رضي الله تعالى عنه: أنت أكذب يا عدو الله تعالى تعال أناحبك عشر قلائص مني وعشر قلائص منك فإن ظهرت الروم على فارس غرمت وإن ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين فناحبه ثم جاء أبو بكر إلى النبـي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال عليه الصلاة والسلام: ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر وماده في الأجل فخرج أبو بكر فلقي أبياً فقال: لعلك ندمت؟ قال: لا تعال أزايدك في الخطر وأمادك في الأجل فأجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين قال: قد فعلت فلما أراد أبو بكر الهجرة طلب منه أبـي كفيلاً بالخطر إن غلب فكفل به ابنه عبد الرحمن فلما أراد أبـي الخروج إلى أحد طلبه عبد الرحمن بالكفيل فأعطاه كفيلاً ومات أبـي من جرح جرحه النبـي صلى الله عليه وسلم وظهرت الروم على فارس لما دخلت السنة السابعة. وجاء في بعض الروايات أنهم ظهروا عليهم يوم الحديبية، وأخرج الترمذي وحسنه أنه لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأخذ أبو بكر رضي الله تعالى عنه الخطر من ورثة أبـي وجاء به إلى النبـي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: تصدق به، وفي رواية أبـي يعلى وابن أبـي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن البراء بن عازب أنه عليه الصلاة والسلام قال هذا السحت تصدق به.

واستشكل بأنه إن كان ذلك قبل تحريم القمار - كما أخرج ابن جرير وابن أبـي حاتم والبيهقي عن قتادة والترمذي وصححه عن نيار بن مكرم السلمي وهو الظاهر لأن السورة مكية وتحريم الخمر والميسر من آخر القرآن نزولاً فما وجه كونه سحتاً؟ وإن كان بعد التحريم فكيف يؤمر بالتصدق بالحرام الغير المختلط بغيره وصاحبه معلوم، وفي مثل ذلك يجب رد المال عليه؟، فإن قيل: إنه مال حربـي والحادثة وقعت بمكة وهي قبل الفتح دار حرب والعقود الفاسدة تجوز فيها عند أبـي حنيفة ومحمد عليهما الرحمة لم يظهر كونه سحتاً، وكأني بك تمنع صحة هذه الرواية وإذا لم تثبت صحتها يبقى الأمر بالتصدق، وحينئذ يجوز أن يكون لمصلحة رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تصدق بحلال؛ أما إذا كان ذلك قبل تحريم القمار كما هو المعول عليه فظاهر، وأما إن كان بعد التحريم فلأن أبا حنيفة ومحمداً قالا بجواز العقود الفاسدة في دار الحرب بين المسلمين والكفار واحتجا على صحة ذلك بما وقع من أبـي بكر في هذه القصة، وقد تظافرت الروايات أنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه المناحبة وإنما أنكر عليه التأجيل بثلاث سنين وأرشده إلى أن يزايدهم.

السابقالتالي
2 3 4 5