الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ }

{ إذ قال } بدل اشتمال أو بَعْض منأحْسَن القصص } سورة يوسف 3 على أن يكون أحسن القصص بمعنى المفعول، فإنّ أحسن القصص يشتمل على قصَص كثير، منه قَصص زمان قول يوسفَ عليه السّلام لأبيه { إني رأيت أحَدَ عَشَرَ كوكباً } وما عقب قوله ذلك من الحوادث. فإذا حملأحسن القصص } سورة يوسف 3 على المصدر فالأحسن أن يكون { إذْ } منصوباً بفعل محذوف يدلّ عليه المقام، والتّقدير اذْكر. ويُوسف اسم عبراني تقدم ذكر اسمه عند قوله تعالىوتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه } الخ في سورة الأنعام 83. وهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق من زوجه راحِيل. وهو أحد الأسباط الذين تقدم ذكرهم في سورة البقرة. وكان يوسف أحب أبناء يعقوب ـــ عليهما السّلام ـــ إليه وكان فَرْط محبة أبيه إياه سَببَ غيرة إخوته منه فكادُوا له مكيدة فسألوا أباهم أن يتركه يخرج معهم. فأخرجوه معهم بعلّة اللعب والتفسح، وألقَوْهُ في جبّ، وأخبروا أباهم أنّهم فقدوه، وأنهم وجدوا قميصه ملوّثاً بالدّم، وأروه قميصه بعد أن لطّخوه بدم، والتقطه من البئر سيارة من العرب الإسماعيليين كانوا سائرين في طريقهم إلى مصر، وباعوه كرقيق في سوق عاصمة مصر السفلى التي كانت يومئذٍ في حكم أمّة من الكنعانيين يعرفون بالعمالقة أو الهكْصوص. وذلك في زمن الملك أبو فيس أو ابيبي. ويقرب أن يكون ذلك في حدود سنة تسع وعشرين وسبعمائة وألف قبل المسيح ـــ عليه السّلام ـــ فاشتراه فوطيفار رئيس شرطة فرعون الملقّبُ في القرآن بالعزيز، أي رئيس المدينة. وحدثت مكيدة له من زوج سيّده ألقي بسببها في السجن. وبسبب رؤيا رآها الملِكُ وعَبّرها يوسف ـــ عليه السّلام ـــ وهو في السِجن، قَرّبه الملك إليه زُلفى، وأولاه على جميع أرض مصر، وهو لقب العزيز وسَمّاه صفنات فعنيج، وزوّجه أسنات بنت أحد الكهنة وعمره يومئذٍ ثلاثون سنة. وفي مدة حكمه جَلَب أباه وأقاربه من البريّة إلى أرض مصر، فذلك سبب استيطان بني إسرائيل أرض مصر. وتوفي بمصر في حدود سنة خمس وثلاثين وستمائة وألف قبل ميلاد عيسى ـــ عليه السّلام ـــ. وحنّط على الطريقة المصرية. ووُضع في تابوت، وأوصى قبل موته قومه بأنهم إذا خرجوا من مصر يرفعون جسده معهم. ولمّا خرج بنو إسرائيل من مصر رفعوا تابوت يوسف ـــ عليه السّلام ـــ معهم وانتقلوه معهم في رحلتهم إلى أن دفنوه في شكِيم في مدة يوشع بن نون. والتاء في أبَت تاء خاصّة بكلمة الأب وكلمة الأم في النداء خاصة على نية الإضافة إلى المتكلم، فمفادها مفاد يا أبي، ولا يكاد العرب يقولون يا أبي. وورد في سَلام ابن عمر على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه حين وقف على قبورهم المنوّرة.

السابقالتالي
2 3 4 5