الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } * { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

{ قد كانت لكم } أيها المؤمنون { اسوة حسنة } قال الراغب الاسوة والاسوة كالقدوة والقدوة هى الحالة التى يكون الانسان عليها فى اتباع غيره ان حسنا وان قبيحا وان سارا وان ضارا والاسى الحزن وحقيقته اتباع الفائت بالغم والمعنى خصلة حميدة حقيقة بأن يؤتسى ويقتدى بها ويتبع اثرها وقوله اسوة اسم كانت ولكم خبرها وحسنة صفة اسوة مقيدة ان عمت الاسوة المحمودة والمذمومة وكاشفة مادحة ان لم تعم { فى ابراهيم والذين معه } اى من اصحابه المؤمنين صفة ثانية لاسوة وقولهم لى فى فلان اسوة اى قدوة من باب التجريد لا ان فلانا نفسه هو القدوة ويجوز أن يكون على حذف المضاف اى لى فى سنته وافعاله واقواله وقيل المراد الانبياء الذين كانوا فى عصره وقريبا منه قال ابن عطية وهذا القول ارجح لانه لم يرد أن ابراهيم كان له اتباع مؤمنون فى مكافحة نمرود وفى البخارى انه قال لسارة حين رحل به الى الشأم مهاجرا بلاد نمرود ماعلى الارض من يعبد الله غيرى وغيرك { اذ قالوا } ظرف لخبر كان ومعمول له او لكان نفسها عند من جوز عملها فى الظرف وهو الاصح { لقومهم } الكفار { انا برءآؤا منكم } جميع بريىء كظريف وظرفاء يعنى مابيزاريم ازشما { ومما تعبدون من دون الله } من اصنام اظهروا البرآءة او لامن انفسهم مبالغة وثانيا من عملهم الشرك اذ المقصود من البرءآة اولا من معبودهم هو البرآءة من عبادته ويحتمل أن تكون البرآءة منهم أن لايصاحبوهم ولا يخالطوهم ومن معبودهم أن لايقربوا منه ولا يلتفتوا نحوه ويحتمل أن تكون البرآءة منهم بمعنى البرآءة من قرابتهم لان الشرك يفصل بين القرابات ويقطع الموالاة وحاصل الآية هلا فعلتم كما فعل ابراهيم حيث تبرأ من أبيه وقومه لكفرهم وكذا المؤمنون { كفرنا بكم } اى بدينكم على اضمار المضاف والكفر مجاز عن عدم الاعتداد والجحد والانكار فان الدين الباطل ليس بشىء اذ الدين الحق عند الله هو الاسلام { وبدا } بدا الشىء بدوا وبدآء اى ظهر ظهورا بينا والبادية كل مكان يبدو مايعن فيه اى يعرض { بيننا } ظرف لبدا { وبينكم العداوة والبغضاء ابدا } اى هذا دأبنا معكم لانتركه والبغض ضد الحب وقال الكاشفى وآشكار اشد ميان ماوشماد شمنى بدل ودشمنى بدست يعنى محاربه ابدا هميشه يعنى بيوسته دشمنى قائم خواهد بود درميان بدل ودست { حتى } غاية لبدا { تؤمنوا بالله وحده } وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك فتنقلب العداوة حنيئذ ولاية والبغضاء محبة والمقت مقة والوحشة الفة فالبغض نفور النفس من الشىء الذى ترغب عنه والحب انجذاب النفس الى الشىء الذى ترغب فيه فان قلت ماوجه قوله { حتى تؤمنوا بالله وحده } ولا بد فى الايمان من الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر قلت الايمان بالله فى حال وحدته يستلزم الايمان بالجميع مع ان المراد الوحدة الالهية ردا للاصنام قال بعض المشايخ اسوة ابراهيم خلة الله والتبرى مما دون الله والتخلق بخلق الله والتأوه والبكاء من شوق الله وقال ابن عطاء رحمه الله الاسوة القدوة بالخليل فى الظاهر من الاخلاق الشريفة وهو السخاء وحسن الخلق واتباع ما امر به على الكرب وفى الباطن الاخلاص فى جميع الافعال والاقبال عليه فى كل الاوقات وطرح الكل فى ذات الله تعالى واسوة رسول الله عليه السلام فى الظاهر العبادات دون البواطن والاسرار لان اسراره لايطيقها أحد من الخلق لانه باين الامة بالمكان ليلة المعراج ووقع عليه تجلى الذات

السابقالتالي
2 3