الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ }

{ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } قال القاشانيّ: لأن بذل النفس في سبيل الله لا يكون إلا عند خلوص النفس في محبة الله، إذ المرء إنما يحب كل ما يحب من دوّن الله لنفسه. فأصل الشرك ومحبة الأنداد: محبة النفس، فإذا سمح بالنفس، كان غير محب لنفسه، وإذا لم يحب نفسه فبالضرورة لم يحب شيئاً من الدنيا. وإذا كان بذله للنفس في الله وفي سبيله لا للنفس، كما قال - ترك الدنيا للدنيا - كانت محبة الله في قلبه راجحة على محبة كل شيء، فكان من الذين قال فيهم:وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } [البقرة: 165] وإذا كان كذلك يلزم محبة الله إياهم؛ لقوله:يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة: 54] انتهى.

تنبيهات

الأول: في ذكر هذه الآية عقيب مقت المخلف دليل على أن المقت قد تعلق بقول الذين وعدوا الثبات في قتال الكفار، فلم يفوا. انتهى.

وأيده الناصر من الوجهة البيانية بأن الأول كالبسطة العامة لهذه القصة الخاصة، كقوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } [الحجرات: 1 - 2] فالنهي العام ورد أولاً. والمقصود اندراج هذا الخاص فيه، كما تقول للمقترف جرماً معيناً؛ لا تفعل ما يلصق العار بك، ولا تشاتم زيداً. وفائدة مثل هذا النظم: النهي عن الشيء الواحد مرتين، مندرجاً في العموم ومفرداً بالخصوص. وهو أولى من النهي عنه على الخصوص مرتين فإن ذلك معدود في حيز التكرار، وهذا يتكرر مع ما في التعميم من التعظيم والتهويل. انتهى.

الثاني: في (الإكليل): قال إلكيا الهراسيّ: يحتج بقوله تعالى:لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [الصف: 2- 3]: في وجوب الوفاء بالنذر، ونذر اللجاج. قال غيره: والوعود. انتهى.

وقال ابن كثير: هو إنكار على من يعد وعداً، أو يقول قولاً لا يفي به؛ ولهذا استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقاً، سواء ترتب عليه عزم الموعود أم لا. واحتجوا أيضاً من السنة بما ثبت في الصحيحين؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " آية المنافق ثلاث: إذا وعد أخلف، وإذا حدّث كذب، وإذا اؤتمن خان " ولهذا أكّد الله تعالى هذا الإنكار عليهم بقوله تعالى:كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [الصف: 3].

وقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: " أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا صبيّ، فذهبت لأخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعال أعطك. فقال رسول الله صلى عليه وسلم: " وما أردت أن تعطيه؟ " قالت: تمراً. فقال: " أما إنك لو لم تفعلي، كُتبت عليك كذبة " ".


السابقالتالي
2 3