الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيۤ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ }

{ قَالَ لاَ يَأْتيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانه } في الحبس حسب عادتكما المطردة { إلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بتَأْويله } استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي لا يأتيكما طعام في حال من الأحوال إلا حال ما نبأتكما به بأن بينت لكما ماهيته وكيفيته وسائر أحواله { قَبْلَ أَن يَأْتيَكُمَا } ، وحاصله لا يأتيكما طعام إلا أخبرتكما قبل إتيانه إياكما بأنه يأتيكما طعام من صفته كيت وكيت. وإطلاق التأويل على ذلك - مع أن حقيقته في المشهور تفسير الألفاظ المراد منها خلاف الظاهر ببيان المراد - بطريق الاستعارة فإن ذلك يشبه تفسير المشكل، أو أنه بالنسبة إلى الطعام المبهم بمنزلة التأويل بالتأويل بالنسبة إلى ما رؤي في المنام وشبيه له. ويحسن هذه الاستعارة ما في ذلك من المشاكلة لما وقع في عبارتهما من قولهما:نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ } [يوسف: 36] وكون المراد بالتأويل الأمر الآيل لا المآل بناءاً على أنه في الأصل جعل شيء آيلاً إلى شيء آخر وكما يجوز أن يراد به الثاني يجوز أن يراد به الأول، ويكون المعنى إلا نبأتكما بما يؤول إليه من الكلام والخبرِ المطابق للواقع، في غاية البعد بل لا يكاد يلتفت إليه كما لا يخفى على المنصف. وكأنه عليه السلام أراد أن يعرض عليهما التوحيد ويزينه لهما ويقبح لهما الشرك بالله تعالى قبل أن يجيبهما عما سألاه من تعبير رؤياهما ثم يجيبهما عن ذلك.

وهذه طريقة على كل ذي عقل أن يسلكها مع الجهلة والفسقة إذا استفتاه واحد منهم أن يقدم الإرشاد والنصيحة أولاً ويدعوه إلى ما هو أولى به وأوجبه عليه مما استفتى فيه ثم يفتيه، ولعل ذلك كان مفترضاً عليه عليه السلام فوصف نفسه أولاً بما هو فوق علم العلماء وهو الإخبار بالمغيبات وجعله تخلصاً لما أراد كالتخلصات المعروفة عندهم فإن الإخبار بالغيب يناسب ما سألاه من تأويل رؤياهما وأن من كان هكذا لا محالة يكون بغيره صادقاً، ويقوي أمر المناسبة تخصيص الطعام بالذكر من بين سائر المغيبات كما لا يخفى، ويناسب ما أراده من الدعوة إلى التوحيد لأنه ثبت صدقه ونبوته وكونه من المرتضين عند الله تعالى الصادقين في أقوالهم وأفعالهم، وفي حكاية الله تعالى ذلك إرشاد لمن كان له قلب، وقد أدمج فيه أن وصف العالم نفسه لينتفع به لا يحرم ولا يعد ذلك من التزكية المحظورة. وإلى ما ذكرنا من حمل الإتيان على الإتيان في اليقظة ذهب غير واحد من الأجلة وروي عن ابن جريج، وحمله بعضهم على الإتيان مناماً. قال السدي وابن إسحاق: إنه عليه السلام لما علم من رؤية الخباز أنه يقتل أخذ في حديث آخر تنسية لهما أمر المنام وطماعية في إيمانهما ليأخذ المقتول / بحظه من الإيمان وتسلم له آخرته فقال بعظيم علمه بالتعبير: إنه لا يجيئكما طعام في نومكما تريان أنكما ترزقانه إلا أعلمتكما بما يؤول إليه أمره في اليقظة قبل أن يظهر ذلك.

السابقالتالي
2 3