قوله تعالى: { فتقبلها ربُّها بقبول حسن } قرأ مجاهد { فتقبَّلْها } بسكون اللام { ربَّها } بنصب الباء { وأنبتها } بكسر الباء وسكون التاء على معنى الدعاء. قال الزجاج: الأصل في العربية: فتقبَّلها بتقبُّل حسن، ولكن «قبول» محمول على قبلها قبولاً يقال: قبلت الشيء: قَبولاً، ويجوز قُبولا: إذا رضيته. { وأنبتها نباتاً حسناً } أي: جعل نشوءها نشوءاً حسناً، وجاء «نباتاً» على غير لفظ أنبت، على معنى: نبتت نباتاً حسناً. وقال ابن الأنباري: لما كان «أنبت» يدل على «نبت» حمل الفعل على المعنى، فكأنه قال: وأنبتها، فنبتت هي نباتاً حسناً. قال امرؤ القيس:
فصرنا إِلى الحسنى ورقَّ كلامنا
ورضتُ فذلَّت صعبةٌ أيَّ إِذلال
أراد: أي رياضة، فلما دل «رضت» على «أذللت» حمله على المعنى. وللمفسرين في معنى النبات الحسن، قولان. أحدهما: أنه كمال النشوء، قال ابن عباس: كانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام، والثاني: أنه ترك الخطايا. قال قتادة: حدثنا أنها كانت لا تصيب الذنوب، كما يصيب بنو آدم. قوله تعالى: { وكفَّلها } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، «وكفلها» بفتح الفاء خفيفة، و «زكرياء» مرفوع ممدود. وروى أبو بكر عن عاصم: تشديد الفاء، ونصب «زكرياء»، وكان يمد «زكرياء» في كل القرآن في رواية أبي بكر. وروى حفص عن عاصم: تشديد الفاء و «زكريا» مقصور في كل القرآن. وكان حمزة والكسائي يشددان و «كفلها»، ويقصران «زكريا» في كل القرآن. فأما «زكريا» فقال الفراء: فيه ثلاث لغات. أهل الحجاز يقولون: هذا زكريا قد جاء، مقصور، وزكرياء، ممدود، وأهل نجد يقولون: زكري، فيجرونه، ويلقون الألف. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي، عن ابن دريد، قال: زكريا اسم أعجمي، يقال: زكريُّ، وزكرياء ممدود، وزكريا مقصور. وقال غيره: وزكري بتخفيف الياء، فمن قال: زكرياء بالمد، قال في التثنيه: زكرياوان، وفي الجمع زكرياوون، ومن قال: زكريا بالقصر، قال في التثنيه زكريان، كما تقول: مدنيان: ومن قال: زكري بتخفيف الياء، قال في التثنية: زكريان الياء خفيفة، وفي الجمع: زكرون بطرح الياء. الإشارة إلى كفالة زكريا مريم قال السدي: انطلقت بها أمها في خرقها، وكانوا يقترعون على الذين يؤتون بهم، فقال زكريا وهو نبيهم يومئذ: أنا أحقكم بها، عندي أختها، فأبوا، وخرجوا إلى نهر الأردن، فألقوا أقلامهم التي يكتبون بها، فجرت الأقلام، وثبت قلم زكريا، فكفلها. قال ابن عباس: كانوا سبعة وعشرين رجلا، فقالوا: نطرح أقلامنا، فمن صعد قلمه مغالباً للجرية فهو أحق بها، فصعد قلم زكريا، فعلى هذا القول كانت غلبة زكريا بمصاعدة قلمه، وعلى قول السدي بوقوفه في جريان الماء وقال مقاتل: كان يغلق عليها الباب، ومعه المفتاح، لا يأمن عليه أحداً، وكانت إذا حاضت، أخرجها إلى منزله تكون مع أختها أم يحيى، فاذا طهرت، ردها إلى بيت المقدس.