الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلاۤ أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ }

{ وَٱلَّذِينَ آتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } نزلت ـ كما قال الماوردي ـ في مؤمني أهل الكتابين كعبد الله بن سلام وكعب وأضرابهما من اليهود وكالذين أسلموا من النصارى كالثمانين المشهورين وهم أربعون رجلاً بنجران وثمانية باليمن واثنان وثلاثون بالحبشة، فالمراد بالكتاب التوراة والانجيل { يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } إذ هو الكتاب الموعود فيما أوتوه { وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ } أي من أحزابهم وهم كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة ككعب بن الأشرف وأصحابه والسيد والعاقب أسقفي نجران وأشياعهما، وأصله جمع حزب بكسر وسكون الطائفة المتحزبة أي المجتمعة لأمر ما كعداوة وحرب وغير ذلك، وإرادة جماعة مخصوصة منه بواسطة العهد { مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ } وهو ما لا يوافق كتبهم من الشرائع الحادثة إنشاء أو نسخاً وأما ما يوافق كتبهم فلم ينكروه وإن لم يفرحوا به، وعن ابن عباس وابن زيد أنها نزلت في مؤمني اليهود خاصة. فالمراد بالكتاب التوراة وبالأحزاب كفرتهم. وعن مجاهد والحسن وقتادة أن المراد بالموصول جميع أهل الكتاب فإنهم كانوا يفرحون بما يوافق كتبهم. فالمراد ـ بما أنزل إليك ـ بعضه وهو الموافق، واعترض عليه بأنه يأباه مقابلة قوله سبحانه: { وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ } لأن إنكار البعض مشترك بينهم، وأجيب بأن المراد من الأحزاب من حظه إنكار بعضه فحسب ولا نصيب له من الفرح ببعض منه لشدة بغضه وعداوته وأولئك يفرحون ببعضه الموافق لكتبهم، وقيل: الظاهر أن المعنى أن منهم من يفرح ببعضه إذا وافق كتبهم وبعضهم لا يفرح بذلك البعض بل يغتم به وان وافقها وينكر الموافقة لئلا يتبع أحد منهم شريعته صلى الله عليه وسلم كما في قصة الرجم، وأنت تعلم أن الجوابين ليسا بشيء، وعلى تفسير الموصول بعامة أهل الكتاب فسر البعض البعض بما لم يوافق ما حرفوه، وبين ذلك بأن منهم من يفرح بما وافق ومنهم من ينكره لعناده وشدة فساده، وإنكارهم لمخالفة المحرف بالقول دون القلب لعلمهم به أو هو بالنسبة لمن لم يحرفه، ولعل نعي الإنكار أوفق بالمقام من نعي التحريف عليهم على ما لا يخفى على المتأمل، وقيل: المراد بالموصول مطلق المسلمين وبالأحزاب اليهود والنصارى والمجوس. وأخرج ذلك ابن جرير عن قتادة، فالمراد بالكتاب القرآن، ومعنى { يَفْرَحُونَ } استمرار فرحهم وزيادته وقالت فرقة: المراد بالأحزاب أحزاب الجاهلية من العرب، وقال مقاتل: هم بنو أمية وبنو المغيرة وآل أبـي طلحة.

{ قُلْ } صادعاً بالحق غير مكترث بمنكر بعض ما أنزل إليك { إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ } / أي شيئاً من الأشياء أو لا أفعل الإِشراك به سبحانه، والظاهر أن المراد قصر الأمر على عبادته تعالى خاصة وهو الذي يقتضيه كلام الإمام حيث قال: إن { إِنَّمَا } للحصر ومعناه إني ما أمرت إلا بعبادة الله تعالى وهو يدل على أنه لا تكليف ولا أمر ولا نهي إلا بذلك، وقيل: معناه إنما أمرت بعبادته تعالى وتوحيده لا بما أنتم عليه.

السابقالتالي
2 3