قوله: { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ }. روي أنَّ المشركين كانوا يجتمعون حول النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون كلامه، ويستهزئون به ويكذبونه، ويقولون: إن دخل هؤلاء الجنَّة كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم فلندخلنَّها قبلهم، فنزلت هذه الآية إلى قوله: { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلاَّ }. وقال أبو مسلمٍ: ظاهر الآية يدل على أنهم هم المنافقون، فهم الذين كانوا عنده، وإسراعهم المذكور هو الإسراعُ في الكفر، لقوله تعالى:{ وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } [آل عمران: 176]. و " الإهْطَاعُ ": الإسراعُ. قال الأخفش: " مُهْطعيْنَ " ، أي: مُسرِعيْنَ، قال: [الوافر]
4867 - بِمكَّةَ أهْلُهَا ولقَدْ أرَاهُمْ
إليْهِ مُهْطِعينَ إلى السَّماعِ
والمعنى: ما بالهُمْ يسرِعُونَ إليْكَ، ويجلسُونَ حولك، ويعملون بما تأمُرهُمْ. وقيل: ما بالهم يسرعون في التكذيب لك. وقيل: ما بالُ الذين كفروا يسرعون إلى السَّماع منك ليعيبوكَ ويستهزئوا بك. وقال عطيةُ: " مُهْطِعيْنَ ": مُعْرضِيْنَ. وقال الكلبيُّ: ناظرين إليك تعجُّباً. وقال قتادةُ: مادّين أعناقهم مديمي النظر إليك، وذلك من نظر العدو، وهو منصوبٌ على الحال. قال القرطبيُّ: نزلت في جميع المنافقين المستهزئين، كانوا يحضرونه - عليه الصلاة والسلام - ولا يؤمنون به، و " قبلك " ، أي: نحوك. قوله: { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ }. أي: عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وشماله حلقاً حلقاً وجماعات. قوله: " عِزيْنَ " ، حالٌ من " الَّذين كَفرُوا ". وقيل: حال من الضمير في " مُهْطعِينَ " فيكونُ حالاً متداخلة، و " عَن اليَميْنِ " ، يجوز أن يتعلق بـ " عزين "؛ لأنَّه بمعنى متفرقين. قاله أبو البقاء. وأن يتعلق بـ " مُهْطِعيْنَ " أي: مسرعين عن هاتين الجهتين، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال، أي: كائنين عن اليمين. قاله أبو البقاء. و " عَزِيْنَ " جمع عزة، والعِزَة: الجماعة. قال مكيٌّ. قال مكيٌّ: " وإنما جمع بالواو والنون؛ لأنه مؤنث لا يعقل؛ ليكون ذلك عوضاً مما حذفَ منه ". قيل: إن أصله: عزهة، كما أنَّ أصل سنة: سنهة، ثم حذفت الهاء، انتهى. قال شهاب الدين: قوله: لا يعقل سَهْو، لأن الاعتبار بالمدلولِ، ومدلوله - بلا شك - عقلاء. واختلفوا في لام " عِزَة " على ثلاثة أقوال: أحدها: أنَّها " واو " من: " عزوته أعزوه " ، أي: نسبته، وذلك أنَّ المنسوبَ مضمومٌ إلى المنسوب إليه، كما أنَّ كلَّ جماعةٍ مضموم بعضها إلى بعض. الثاني: أنَّها " ياء " ، إذ يقال " عَزيتُه " - بالياء - أعزيه بمعنى عزوته، فعلى هذا في لامها لغتانِ.