الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }

اعتراض بين جملةيا بني آدم خذوا زينتكم } الأعراف 31 وبين جملةيا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم } الأعراف 35 لمّا نعى الله على المشركين ضلالهم وتمرّدهم. بعد أن دعاهم إلى الإيمان، وإعراضَهم عنه، بالمجادلة والتّوبيخ وإظهارِ نقائصهم بالحجّة البيّنة، وكان حالهم حال من لا يقلع عمّا هم فيه، أعقَب ذلك بإنذارهم ووعيدهم إقامةً للحجّة عليهم وإعذاراً لهم قبل حلول العذاب بهم. وهذه الجملة تؤكّد الغرض من جملةوكم من قرية أهلكناها } الأعراف 4 وتحتمل معنيين أحدهما أن يكون المقصود بهذا الخبر المشركين، بأن أقبل الله على خطابهم أو أمر نبيئه بأن يخاطبهم، لأنّ هذا الخطاب خطاب وعيد وإنذار. والمعنى الثّاني أن يكون المقصود بالخبر النبيء صلى الله عليه وسلم فيكون وعداً له بالنّصر على مكذّبيه، وإعلاماً له بأنّ سنّته سنّةُ غيره من الرّسل بطريقة جعل سنّة أمّته كسنّة غيرها من الأمم. وذكْرُ عموم الأمم في هذا الوعيد، مع أنّ المقصود هم المشركون من العرب الذين لم يؤمنوا، إنّما هو مبالغة في الإنذار والوعيد بتقريب حصوله كما حصل لغيرهم من الأمم على طريقة الاستشهاد بشواهد التّاريخ في قياس الحاضر على الماضي فيكون الوعيد خبراً معضوداً بالدّليل والحجّة، كما قال تعالى في آيات كثيرة منهاقد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } آل عمران 137 أي ما أنتم إلاّ أمة من الأمم المكذّبين ولكلّ أمّة أجل فأنتم لكم أجل سيحين حينه. وذِكر الأجل هنا، دون أن يقول لكلّ أمّة عذاب أو استئصال، إيقاظاً لعقولهم من أن يغرّهم الإمهال فيحسبوا أنّ الله غيرُ مؤاخذهم على تكذيبهم، كما قالوااللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } الأنفال 32، وطمأنةً للرسول عليه الصّلاة والسلام بأنّ تأخير العذاب عنهم إنّما هو جري على عادة الله تعالى في إمهال الظّالمين على حدّ قولهحتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذّبوا جاءهم نصرنا } يوسف 110 ــــ وقوله ــــلا يغرنَّك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل } آل عمران 196، 197. ومعنى { لكل أمة أجل } لكلّ أمّة مكذّبة إمهال فحذف وصف أمّة أي مكذّبة. وجعل لذلك الزّمان نهاية وهي الوقت المضروب لانقضاء الإمهال، فالأجل يطلق على مدّة الإمهال، ويُطلق على الوقت المحدّد به انتهاء الإمهال، ولا شكّ أنّه وُضع لأحد الأمرين ثمّ استعمل في الآخرة على تأويل منتهى المدّة أو تأخير المنتهى وشاع الاستعمالان. فعلى الأوّل يقال قَضى الأجلَ أي المدّة كما قال تعالىأيَّما الأجلين قضيت } القصص 28 وعلى الثّاني يقال «دنا أجل فلان» وقوله تعالىوبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا } الأنعام 128 والواقع في هذه الآية يصحّ للاستعمالين بأن يكون المراد بالأجل الأوّل المدّة، وبالثّاني الوقت المحدّد لفعللٍ مَّا.

السابقالتالي
2 3