الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً }

قوله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً }.

قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، ويكون في نفس الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول، وذكرنا لذلك أمثلة متعددة في الترجمة، وفي مواضع كثيرة من هذا الكتاب المبارك.

ومما ذكرنا من أمثلة ذلك في الترجمة قولنا فيها. ومن أمثلته قول بعض أهل العلم: إن أزواجه صلى الله عليه وسلم لا يدخلن في أهل بيته في قوله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } [الأحزاب: 33] فإن قرينه السياق صريحة في دخولهن، لأن الله تعالى قال:يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } [الأحزاب: 28] ثم قال في نفس خطابه لهن: { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } [الأحزاب: 33] ثم قال بعده:وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ } [الأحزاب: 34] الآية.

وقد أجمع جمهور علماء الأصول على أن صورة سبب النزول قطعية الدخول، فلا يصح إخراجها بمخصص، وروي عن مالك أنها ظنية الدخول، وإليه أشار في مراقي السعود بقوله:
واجزم بإدخال ذوات السبب   وارو عن الإمام ظناً تصب
فالحق أنهن داخلات في الآية اهـ من ترجمة هذا الكتاب المبارك.

والتحقيق إن شاء الله: أنهن داخلات في الآية، وإن كانت الآية تتناول غيرهن من أهل البيت.

أما الدليل على دخولهن في الآية، فهو ما ذكرناه آنفاً من أن سياق الآية صريح في أنها نازلة فيهن.

والتحقيق: أن صورة سبب النزول قطعية الدخول كما هو مقرر في الأصول.

ونظير ذلك من دخول الزوجات في اسم أهل البيت. قوله تعالى في زوجة إبراهيم:قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَةُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } [هود: 73].

وأما الدليل على دخول غيرهن في الآية، فهو أحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم: " إنهم أهل البيت ودعا لهم الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيراً " وقد روى ذلك جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم منهم أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها وأبو سعيد، وأنس، وواثلة بن الأسقع، وأم المؤمنين عائشة، وغيرهم رضي الله عنهم.

وبما ذكرنا من دلالة القرآن والسنة: تعلم أن الصواب شمول الآية الكريمة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم كلهم.

تنبيه

فإن قيل: إن الضمير في قوله: { لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْس } وفي قوله: { وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } ضمير الذكور، فلو كان المراد نساء النبي صلى الله عليه وسلم لقيل: ليذهب عنكن ويطهركن.

السابقالتالي
2 3 4