الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ }

{ وَقَالَ ٱلْمَلأُ } أي الأشراف { مِن قَوْمِهِ } بيان لهم، وقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَاء ٱلاْخِرَةِ } أي بلقاء ما فيها من الحساب والثواب والعقاب أو بالمعاد أو بالحياة الثانية صفة للملأ جىء بها ذماً لهم وتنبيهاً على غلوهم في الكفر، ويجوز أن تكون للتمييز إن كان في ذلك القرن من آمن من الأشراف، وتقديم { مِن قَوْمِهِ } هنا على الصفة مع تأخيره في القصة السابقة لئلا يطول الفصل بين البيان والمبين لو جىء به بعد الصفة وما في حيزها مما تعلق بالصلة مع ما في ذلك من توهم تعلقه بالدنيا أو يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه لو جىء به بعد الوصف وقبل العطف كذا قيل. وتعقب بأنه لا حاجة إلى ارتكاب جعل { ٱلَّذِينَ } صفة للملأ وإبداء نكتة للتقديم المذكور مع ظهور جواز جعله صفة لقومه.

ورد بأن الداعي لارتكابه عطف قوله تعالى: { وَأَتْرَفْنَـٰهُمْ فِى ٱلْحَيَٰوةَ ٱلدُّنْيَا } أي نعمناهم ووسعنا عليهم فيها على الصلة فيكون صفة معنى للموصوف بالموصول والمتعارف إنما هو وصف الأشراف بالمترفين دون غيرهم وكذا الحال إذا لم يعطف وجعل حالاً من ضمير { كَذَّبُواْ } وأنت تعلم أنا لا نسلم أن المتعارف إنما هو وصف الأشراف بالمترفين ولئن سلمنا فوصفهم بذلك قد يبقى مع جعل الموصول صفة لقومه بأن يجعل جملة { أَتْرَفْنَـٰهُمْ } حالاً من { ٱلْمَلأُ } بدون تقدير قد أو بتقديرها أي قال الملأ في حق رسولنا { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } الخ في حال إحساننا عليهم.

نعم الظاهر لفظاً عطف جملة { أَتْرَفْنَـٰهُمْ } على جملة الصلة، والأبلغ معنى جعلها حالاً من الضمير لإفادته الإساءة إلى من أحسن وهو أقوى في الذم، وجىء بالواو العاطفة في { وَقَالَ ٱلْمَلأُ } هنا ولم يجأ بها بل جىء بالجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً في موضع آخر لأن ما نحن فيه حكاية لتفاوت ما بين المقالتين أعني مقالة المرسل ومقالة المرسل إليهم لا حكاية المقاولة لأن المرسل إليهم قالوا ما قالوا بعضهم لبعض وظاهر إباء ذلك الاستئناف وأما هنالك فيحق الاستئناف لأنه في حكاية المقاولة بين المرسل والمرسل إليهم واستدعاء مقام المخاطبة ذلك بين كذا في «الكشف»، ولا يحسم مادة السؤال إذ يقال معه: لم حكى هنالك المقاولة وهنا التفاوت بين المقالتين ولم يعكس؟ ومثل هذا يرد على من علل الذكر هنا والترك هناك بالتفنن بأن يقال: إنه لو عكس بأن ترك هنا وذكر هناك لحصل التفنن أيضاً، وأنا لم يظهر لي السر في ذلك، وأما الإتيان بالواو هنا والفاء فيفَقَالَ ٱلْمَلَؤُاْ } [المؤمنون: 24] في قصة نوح عليه السلام فقد قيل: لعله لأن كلام الملأ هنا لم يتصل بكلام رسولهم بخلاف كلام قوم نوح عليه السلام والله تعالى أعلم بحقائق الأمور.

السابقالتالي
2