الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ }

{ رُدُّوهَا عَلَيَّ } يعني الصافنات، وهذا من مقول القول، فلا حاجة إلى تقدير قول آخر { فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } أي: فجعل يمسح مسحاً، أي: يمسح بالسيف بسوقها وأعناقها، يعني يقطعها.

تنبيه

قال ابن كثير: ذكر غير واحد من السلف والمفسرين أن سليمان عليه السلام اشتغل بعرض الخيل حتى فات وقت صلاة العصر، والذي يقطع به أنه لم يتركها عمداً بل نسياناً، كما شغل النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر، حتى صلاها بعد الغروب، وذلك ثابت في الصحيحين من غير وجه، ويحتمل أنه كان سائغاً في ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو، والقتال. والخيلُ تراد للقتال، وقد ادعى طائفة من العلماء أن هذا كان مشروعا فنسخ ذلك بصلاة الخوف، ومنهم من ذهب إلى ذلك في حال المسايفة والمضايقة حتى لا يمكن صلاة، ولا ركوع ولا سجود، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم في فتح (تستر) وهو منقول عن مكحول، والأوزاعيّ وغيرهما، والأول أقرب؛ لأنه قال بعد: { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } قال الحسن البصري: قال: لا، والله! لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك، ثم أمر بها فعقرت. وكذلك قال قتادة.

وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبّاً لها، وهذا القول اختاره ابن جرير. قال: لأنه لم يكن ليعذب حيواناً بالعرقبة، ويهلك مالاً من ماله بلا سبب، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ولا ذنب لها، وهذا الذي رجح ابن جرير، فيه نظر؛ لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا، ولا سيما إذا كان غضباً لله تعالى، بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة؛ ولهذا لما خرج عنها لله تعالى، عوضه الله عز وجل ما هو خير منها، وهو الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب، غدوّها شهر، ورواحها شهر، فهذا أسرع وخير من الخيل. روى الإمام أحمد عن ابن قتادة وأبي الدهماء، وكانا يكثران السفر نحو البيت، قالا: " أتينا على رجل من أهل البادية فقال لنا البدويّ، أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله عز وجل، وقال: " إنك لا تدع شيئاً اتقاء الله تعالى، إلا أعطاك الله عز وجل خيراً منه " " انتهى ما ذكره ابن كثير.

وقال القاشانيّ: أي: طفق يمسح السيف بسوقها، يعرقب بعضها وينحر بعضها، كسراً لأصنام النفس التي تعبدها بهواها، وقمعا لسورتها وقواها، ورفعا للحجاب الحائل بينه وبين الحق، واستغفاراً وإنابة إليه بالتجريد والترك.

وقد ذهب الرازيّ إلى تأويل آخر استصوبه، قال: إن رباط الخيل كان مندوبا إليه في دينهم.

السابقالتالي
2