الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ }

والسماء والأرض - كما نعلم - هما ظَرْفَا الحياة لنا كلنا، وقد قال الحق سبحانه:لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ.. } [غافر: 57]. فإذا كان الله هو الذي خلق السماوات والأرض فهذا لَفْتٌ لنا على الإجمال لأنه لم يَقُلْ لنا ما قاله في مواضع أخرى من القرآن الكريم بأنها من غير عَمَد وليس فيها فُطور، ولم يذكر هنا أنه خلق في الأرض رواسي كي لا تميد بنا الأرض، ولم يذكر كيف قَدَّر في الأرض أقواتها، واكتفى هنا بلمحة عن خَلق السماوات والأرض. وحين يتكلم سبحانه هنا عن خَلْق السماوات يأتي بشيء لم يدَّعه أحد على كثرة المُدَّعِين من الملاحدة وذلك لتكون ألزم في الحجة للخَصْم، وبذلك كشف لهم حقيقة عدم إيمانهم وجعلهم يروْنَ أنهم كفروا نتيجة لَددٍ غير خاضع لمنطق وهو كفر بلا أسباب. وحين يحكم الله حُكْماً لا يوجد لا معارض ولا منازع، فهذا يعني أن الحكم قد سلَم له سبحانه. ولم يجترئ أحد من الكافرين على ما قاله الله وكأن الكافر منهم قد أدار الأمر في رأسه، وعلم أن أحداً لم يَدَّعِ لنفسه خَلْق السماوات والأرض ولا يجد مفرّاً من التسليم بأن الله هو الذي خلق السماوات والأرض. وقول الحق سبحانه هنا: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ.. } [إبراهيم: 32]. يُوضِّح لنا أن كلمة " الله " هنا لأنها مَناطُ الصعوبة في التكليف فالتكليف يقف أمام الشهوات وقد تغضبون من التكليف ولكنه يحميكم من بعضكم البعض، ويكفل لكم الأمان والحياة الطيبة. ولم يَأْتِ الحق سبحانه بكلمة " رب " هنا لأنها مناطُ العطاء الذي شاءه للبشر، مؤمنهم وكافرهم. وكلمة " الله " تعني المعبود الذي يُنِزل الأوامر والنواهي وتعني أن هناك مشقات ولذلك ذكر لهم أنه خلق السماوات والأرض، وأنزل من السماء ماء. ونحن حين نسمع كلمة " السماء " نفهم أنها السماء المقابلة للأرض ولكن التحقيق يؤكد أن السماء هي كُلُّ ما علاك فأظلَّك. والمطر كما نعلم إنما ينزل من الغَيْم والسحاب. والحق سبحانه هو القائل:أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِِ.. } [النور: 43]. وقد عرفنا بالعلم التجريبي أن الطائرة - على سبيل المثال - تطير من فوق السحاب، وعلى ذلك فالمطر لا ينزل من السماء بل ينزل مِمَّا يعلونا من غَيْم وسحاب. أو: أنك حين تنسب النزول من السماء فهذا يوضح لنا أن كل أمورنا تأتي من أعلى ولذلك نجد الحديد الذي تحتضنه الجبال وينضج في داخلها يقول فيه الحق سبحانه:وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ.. } [الحديد: 25].

السابقالتالي
2 3 4