الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ }

{ قَالُوا سُبْحَانَكَ } نزهناك تنزيهاً عن الاعتراض عليك، وإنما سؤالنا تعجب وطلب لبيان الحكمة لا اعتراض. وقد علم الله ذلك. وعن أن تفعل غير الحكمة، وعن أن يعلم أحد لم تعلمه. كما يدل عليه ما بعد، وهو اسم مصدر، لأن الفعل سبح بالتشديد، كما قالوا نسبح، فالمصدر التسبيح، وهذا أولى من أن يقال هو مصدر سبح الثلاثى بمعنى النزيه، لأن سبح بالتخفيف بمعنى التنزيه قليل. وسبحان كثير ينطق به ويشدد ولا يخفف. فالجمهور على أنه اسم مصدر، وهو لازم للإضافة على جنس التسبيح. وشذ عدم إضافته، وإذا لم يضف كان أيضاً غير منون، لأنه علم زيدت فيه ألف ونون فى آخره. ومن عدمها قول الأعشى يمدح عامر بن الطفيل، ويذم علقمة بن علاسة
قد قلت لما جاءنى فخره سبحانه من علقمة الفاخر   
والهاء فى فخره عائد إلى عامر بن الطفيل، ومن علقمة جار ومجرور متعلق بسبحان منه أى عجباً منه إذ يفخر. قال فى الصحاح بعد أن ساق هذا البيت العرب تقول سبحان الله من كذا إذا تعجبت منه. وعلقمة هذا صحابى قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو شيخ فأسلم وبايع، واستعمله عمر بن الخطاب على حوران ومات بها. وإنما ذمه الأعشى لأن الأعشى لم يسلم، أو أسلم وذمه عصياناً كما يعصى الموحد، أسلم وذم. أو أسلم وذم علقمة قبل إسلامه، أعنى قبل إسلام علقمة. وقد قيل إن الأعشى قدم مكة ليأتى المدينة فيسلم ويبايع، فصده أهل مكة بأنه يحرم الزنى فقال لا حاجة لى فيه. فقالوا إنه يحرم الخمر، فقال أتروى منها عامى، ثم أجنبه، فمات قبل. ولكن أشعاره نص فى إسلامه إذ قال
نبى يرى ما لا ترون وذكره أغار لعمى فى البلاد وأنجدا   
ونحو ذلك من أبيات حسنة، ساقها الثعالبى فى كتاب السيرة، وألفه يحذف فى الخط ويقرأ، ويجوز أن تكتب كسائر الأعلام الرباعية فصاعدا كصالح وسليمان فى جواز الوجهين، وتحذف فى خط المصاحف، وإنما صدر الملائكة الكلام سبحانك، اعتذارا عن طلبهم التفسير وعن الجهل بحقيقة الحال، ولكونهم صدروا به كلام توبتهم، كما صدر به موسى توبته إذ قالسبحانك إنى تبت إليك } ويونس إذ قالسبحانك إنى كنت من الظالمين } { لا علم لنا إلا ما علمتنا } أى لا معلوم لنا إلا ما علمتنا، فالعلم بمعنى المعلوم، وما اسم، ويجوز إبقاؤه على المصدرية، فتجعل ما اسماً أيضاً على حذف مضاف، أى لا علم إلا ما علمتناه، وذلك منهم مراعاة للذنب بتفويض العلم كله إليه، واعتراف بالعجز عن أن ينبئوه بأسماء هؤلاء، واعتراف بأنه قد ظهر لهم ما خفى عليهم من فضل الإنسان، والحكمة فى استخلافه، وإظهار لشكر نعمته التى هى تعليمه إياهم ما قد علمهم إياه، وهى أيضا كشف ما خفى عليهم من فضل الإنسان والحكمة فى خلقه.

السابقالتالي
2