الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

فيه سبع مسائل: الأولى: هذه المخاطبة تدخل في باب السّتر والصلاح أي زوّجوا من لا زوج له منكم فإنه طريق التعفّف والخطاب للأولياء. وقيل للأزواج. والصحيح الأوّل إذ لو أراد الأزواجَ لقال «وانكحوا» بغير همز، وكانت الألف للوصل. وفي هذا دليل على أن المرأة ليس لها أن تُنكح نفسها بغير وَلِيّ وهو قول أكثر العلماء. وقال أبو حنيفة: إذا زوّجت الثيّبُ أو البكر نفسها بغير وَلِيّ كُفْأً لها جاز. وقد مضى هذا في «البقرة» مستوفًى. الثانية: اختلف العلماء في هذا الأمر على ثلاثة أقوال فقال علماؤنا: يختلف الحكم في ذلك باختلاف حال المؤمن من خوف العَنت، ومن عدم صبره، ومن قوّته على الصبر وزوال خشية العَنَت عنه. وإذا خاف الهلاك في الدِّين أو الدنيا أو فيهما فالنكاح حَتْمٌ. وإن لم يخش شيئاً وكانت الحال مطلقة فقال الشافعيّ: النكاح مباح. وقال مالك وأبو حنيفة هو مستحب. تعلّق الشافعِيّ بأنه قضاء لذةٍ فكان مباحاً كالأكل والشرب. وتعلّق علماؤنا بالحديث الصحيح: " من رَغِب عن سُنّتِي فليس منّي ". الثالثة: قوله تعالى: { ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ } أي الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء واحدهم أَيِّم. قال أبو عمرو: أيامى مقلوب أيايم. واتفق أهل اللغة على أن الأيّم في الأصل هي المرأة التي لا زوج لها، بكراً كانت أو ثيِّباً حكى ذلك أبو عمرو والكسائي وغيرهما. تقول العرب: تأيّمت المرأة إذا أقامت لا تتزوّج. وفي حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم: " أنا وامرأةٌ سَفْعاء الخدّين تأيّمت على ولدها الصّغار حتى يبلغوا أو يغنيهم الله من فضله كهاتين في الجنة " وقال الشاعر:
فإن تَنْكِحي أنْكِح وإن تَتَأَيّمِي   وإن كنتُ أَفْتَى منكمُ أتأيّمُ
ويقال:أَيِّم بيّن الأَيْمة. وقد آمَتْ هي، وإمْت أنا. قال الشاعر:
لقد إمْتُ حتى لامَنِي كلّ صاحب   رجاءً بسَلْمَى أن تَئِيمَ كما إمْتُ
قال أبو عبيد: يقال رجل أيِّم وامرأة أيِّم وأكثر ما يكون ذلك في النساء، وهو كالمستعار في الرجال. وقال أمَيَّة بن أبي الصَّلْت:
لله دَرُّ بَـنِـي عَـلِـ   ـي أيَّـمٍ منـهـم ونـاكـحُ
وقال قوم: هذه الآية ناسخة لحكم قوله تعالى:وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } [النور: 3]، وقد بيّناه في أوّل السورة والحمد لله. الرابعة: المقصود من قوله تعالى: { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ } الحرائرُ والأحرار ثم بيّن حكم المماليك فقال: { وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ }. وقرأ الحسن «والصالحين من عبيدكم»، وعَبيد اسم للجمع. قال الفراء: ويجوز «وإماءَكم» بالنصب، يردّه على «الصالحين» يعني الذكور والإناث والصلاح الإيمان. وقيل: المعنى ينبغي أن تكون الرغبة في تزويج الإماء والعبيد إذا كانوا صالحين فيجوز تزويجهم، ولكن لا ترغيب فيه ولا استحباب كما قال:

السابقالتالي
2 3