الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ }

تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بحث هذه المسألة، وإيراد كل النصوص في عدة مواضع، أشار إليها كلها في سورة النجم عند قوله تعالى:وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } [النجم: 45-46]، وقد قرئت بعد قراءات منها { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } ، ومنها { ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ }.

وذكرها ابن كثير مرفوعة إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، وعلى القراءة المشهورة.

{ وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } ، اختلف في لفظة " ما " فقيل: إنها مصدرية، أي وخلق الذكر والأنثى.

وقيل: بمعنى من، أي والذي خلق الذكر والأنثى. فعلى الأول يكون القسم بصفة من صفات الله وهي صفة الخلق، ويكون خص الذكر والأنثى لما فيهما من بديع صنع الله وقوة قدرته سبحانه على ما يأتي.

وعلى قراءة: والذكر والأنثى. يكون القسم بالمخلوق كالليل والنهار، لما في الخلق من قدرة الخالق أيضاً، وعلى أنها بمعنى الذي يكون القسم بالخالق سبحانه، وتكون ما هنا مثل في قوله:وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } [الشمس: 5]، وغاية ما فيه استعمالها وهي في الأصل لغير أولي العلم، إلا أنها لوحظ فيها معنى الصفة، وهي صفة الخلق أو على ما تستعمله العرب عند القرينة، كقوله تعالى:وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ } [النساء: 22]، وقوله:فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [النساء: 3]، لما لوحظ فيه معنى الصفة وهو الاستمتاع، ساغ استعمال ما بدلاً عمن.

وفي اختصاص خلق الذكر والأنثى في هذا المقام لفت نظر إلى هذه الصفة، لما فيها من إعجاز البشر عنها، كما في الليل والنهار من الإعجاز للبشر من أن يقدروا على شيء في خصوصه، كما قدمنا في السورة قبلها.

وذلك: أن أصل التذكير والتأنيث أمر فوق إدراك وقوى البشر، وهي كالآتي أولاً في الحيوانات الثديية، وهي ذوات الرحم تحمل وتلد، فإنها تنتج عن طريق اتصال الذكور بالإناث.

وتذكير الجنين أو تأنيثه ليس لأبويه دخل فيه، إنه من نطفة أمشاج، أي أخلاط من ماء الأب والأم، وجعل هذا ذكراً وذاك أنثى، فهو هبة من الله كما في قوله:يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [الشورى: 49-50].

وقد ثبت علمياً أن سبب التذكير والتأنيث من جانب الرجل، أي أن المرأة صالح لهذا وذاك، وماء الرجل هو الذي به يكون التمييز لانقسام يقع فيه، فالمرأة لا تعدو أن تكون حرثاً، والرجل هو الزارع، ونوع الزرع يكون عن طريقه، كما أشارت إليه الآية الكريمةنِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } [البقرة: 223]، والحرث لا يتصرف في الزرع، وإنما التصرف عن طريق الحارث.

ويتم ذلك عن طريق مبدء معلوم علمياً، وهو أن خلية التلقيح في الأنثى دائماً وأبداً مكونة من ثمانية وأربعين جزءاً، وهي دائمة وأبداً تنقسم إلى قسمين متساويين أربعة وعشرين، فيلتحم قسم منها مع قسم خلية الذكر، وخلية الذكر سبعة وأربعون، وإنما أبداً تنقسم أيضاً عند التلقيح إلى قسمين، ولكن أحدهما أربعة وعشرون، والآخر ثلاثة وعشرون، فإذا أراد الله تذكير الحمل سبق القسم الذي من ثلاثة وعشرين.

السابقالتالي
2