الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لأيَٰتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { إِنَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ.. } [الجاثية: 3] جعل السماوات والأرض ظرفاً فلا تنظر إلى السماوات والأرض في ذاتها، بل انظر لما فيهما من الآيات والأسرار، فهي مليئةٌ بالآيات التي يجلِّيها الله لوقتها، وكلما تفتحتْ العقول وتطوَّرتْ العلوم ظهر لنا آية من آيات الله في السماوات والأرض. انظر مثلاً إلى الثورة في مجال الاتصالات، وما في الهواء من ذبذبات وبثٍّ للتلفزيون، ومع ذلك لا تختلط ولا تتداخل، انظر إلى الفضاء الواسع وما توصَّل إليه الإنسان من غزو الفضاء وإطلاق سفن وصواريخ تصل إلى كواكب أخرى وتستقرّ عليها وترسل لنا صُوراً منها، كلُّ هذه آياتٌ من آيات الله يُجلِّيها سبحانه لنا في وقتها المناسب. إذن: آياتُ الله كثيرة في السماوات والأرض بل وتحت الأرض، لذلك يمتنُّ الله بنعمه علينا، فيقول:لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } [طه: 6]. لذلك سيدنا عبد الله بن مسعود يقول: أثيروا القرآن. يعني هيجوه مثل الأرض حينما نحرثها لنأخذ ما فيها من خيرات، كذلك كل شيء منسوب إلى الله تعالى فيه ما لا يُحصَى من كنوز الخير. وإذا كانت السماواتُ والأرض ظرفاً فلنا أنْ نسأل: أيهما أثمن الظرف أم المظروف فيه؟ فالخطاب أو الرسالة أثمن أم الظرف الذي تُوضَع فيه؟ الخزينة أو ما يوضع فيها أنفس. كذلك السماوات والأرض مع عظِمهما وقُوتهما، فما فيهما من آيات وعجائب أعظم منهما وأنفس، لذلك تذكرون أننا حرَّمنا أنْ نضع شيئاً بين أوراق المصحف، لماذا؟ حتى لا يكون كتاب الله تعالى ظرفاً لشيء، مهما كان غالياً وثميناً عندك، لأن القرآن أثمن وأغلى من أي شيء آخر، فلا تجعله ظرفاً لشيء. وقوله: { لأيَٰتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [الجاثية: 3] آيات جمع آية، وهي الشيء البالغ في الحُسْن مَبْلغاً كما نقول: فلان آيةٌ في الحسن أو في البلاغة، أو في الكرم، إذن: آية تعني الشيء العجيب في بابه. وبيَّنا أن كلمة آية تُطلق على مَعانٍ ثلاثة: آيات كونية تثبت قدرة الخالق سبحانه وحكمتهوَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ.. } [فصلت: 37]. فإنْ كان هذا الشيء مُتفرداً بشيء عجيب دالٍّ على القدرة سُمِّي آية وحده، ومن ذلك قوله تعالى:وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ.. } [الإسراء: 12] فكلٌّ منهما آية وحده. وقال في عيسى بن مريم عليه السلام وأمه مريم:وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً.. } [المؤمنون: 50] فهما آية واحدة، لأن وجه العجب فيهما واحدة، والجامع بينهما في الإعجاز أمر واحد، فكانا آية واحدة. ثم بعد ذلك آيات معجزات تأتي مصاحبة للرسل لتؤيدهم وتُثبت صدقهم في البلاغ عن الله مثل: عصا موسى، وناقة صالح. ثم النوع الثالث من الآيات هي آيات الذكر الحكيم في القرآن الكريم، ويُسمُّونها حاملة الأحكام.

السابقالتالي
2 3 4