الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَـاةً وَلاَ نُشُوراً }

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الآلهة التي يعبدها المشركون من دونه، متصفة بستة أشياء كل واحد منها برهان قاطع، أن عبادتها مع الله، لا وجه لها بحال، بل هي ظلم متناه، وجهل عظيم، وشرك يخلد به صاحبه في نار جهنم، وهذا بعد أن أثنى على نفسه جل وعلا بالأمور الخمسة المذكورة في الآية التي قبلها التي هي براهين قاطعة، على أن المتصف بها هو المعبود وحده، والأمور الستة التي هي من صفات المعبودات من دون الله:

الأول منها: أنها لا تخلق شيئاً أي لا تقدر على خلق شيء.

والثاني منها: أنها مخلوقة كلها أي خلقها خالق كل شيء.

والثالث: أنها لا تملك لأنفسها ضراً ولا نفعاً.

الرابع والخامس والسادس: أنها لا تملك موتاً، ولا حياة، ولا نشوراً، أي بعثاً بعد الموت، وهذه الأمور الستة المذكورة في هذه الآية الكريمة، جاءت مبينة في مواضع أخر من كتاب الله تعالى.

أما الأول منها: وهو كون الآلهة المعبودة من دون الله لا تخلق شيئاً، فقد جاء مبيناً في آيات كثيرة كقوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } [الحج: 73] الآية. وقوله تعالى:وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } [النحل: 20ـ21] وقوله تعالى في سورة فاطرقُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً } [فاطر: 40] وقوله تعالى في سورة لقمان:هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ ٱلظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [لقمان: 11] وقوله تعالى في الأحقاف:قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [الأحقاف: 4]. وقوله تعالى:مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } [الكهف: 51] وقد بين تعالى في آيات من كتابه الفرق بين من يخلق، ومن لا يخلق، لأن من يخلق هو المعبود، ومن لا يخلق لا تصح عبادته، كقوله تعالى:يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } [البقرة: 21] الآية. أي وأما من لم يخلقكم، فليس برب، ولا بمعبود لكم كما لا يخفى. وقوله تعالى:أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } [النحل: 17] وقوله تعالى:أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } [الرعد: 16] أي ومن كان كذلك، فهو المعبود وحده جل وعلا وقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4