الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } * { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } * { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }

بيان وعيد شديد لأبي لهب بهلاك نفسه وعمله وبنار جهنم ولامرأته، والسورة مكية. قوله تعالى { تبت يدا أبي لهب وتب } التب والتباب هو الخسران والهلاك على ما ذكره الجوهري، ودوام الخسران على ما ذكره الراغب، وقيل الخيبة، وقيل الخلو من كل خير والمعاني - كما قيل - متقاربة فيد الإِنسان هي عضوه الذي يتوصل به إلى تحصيل مقاصده وينسب إليه جل أعماله، وتباب يديه خسرانهما فيما تكتسبانه من عمل وإن شئت فقل بطلان أعماله التي يعملها بهما من حيث عدم انتهائها إلى غرض مطلوب وعدم انتفاعه بشيء منها وتباب نفسه خسرانها في نفسها بحرمانها من سعادة دائمة وهو هلاكها المؤبد. فقوله { تبت يدا أبي لهب وتب } أي أبو لهب، دعاء عليه بهلاك نفسه وبطلان ما كان يأتيه من الأعمال لإِطفاء نور النبوَّة أو قضاء منه تعالى بذلك. وأبو لهب هذا هو أبو لهب بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان شديد المعاداة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مصراً في تكذيبه مبالغاً في إيذائه بما يستطيعه من قول وفعل وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم تباً لك لما دعاهم إلى الإِسلام لأول مرة فنزلت السورة ورد الله التباب عليه. وذكر بعضهم أن أبا لهب اسمه وإن كان في صورة الكنية، وقيل اسمه عبد العزى وقيل عبد مناف وأحسن ما قيل في ذكره في الآية بكنيته لا باسمه أن في ذلك تهكماً به لأن أبا لهب يشعر بالنسبة إلى لهب النار كما يقال أبو الخير وأبو الفضل وأبو الشر في النسبة إلى الخير والفضل والشر فلما قيل { سيصلى ناراً ذات لهب } فهم منه أن قوله { تبت يدا أبي لهب } في معنى قولنا تبت يدا جهنمي يلازم لهبها. وقيل لم يذكر باسمه وهو عبد العزى لأن عزّى اسم صنم فكره أن يعد بحسب اللفظ عبداً لغير الله وهو عبد الله وإن كان الاسم إنما يقصد به المسمى. قوله تعالى { ما أغنى عنه ماله وما كسب } ما الأُولى نافية وما الثانية موصولة ومعنى { ما كسب } الذي كسبه بأعماله وهو أثر أعماله أو مصدرية والمعنى كسبه بيديه وهو عمله، والمعنى ما أغنى عنه عمله. ومعنى الآية على أي حال لم يدفع عنه ماله ولا عمله - أو أثر عمله - تباب نفسه ويديه الذي كتب عليه أودعي عليه. قوله تعالى { سيصلى ناراً ذات لهب } أي سيدخل ناراً ذات لهب وهي نار جهنم الخالدة، وفي تنكير لهب تفخيم له وتهويل. قوله تعالى { وامرأته حمَّالة الحطب } عطف على ضمير الفاعل المستكن في { سيصلى } والتقدير وستصلى امرأته الخ و { حمالة الحطب } بالنصب وصف مقطوع عن الوصفية للذم أي أذم حمالة الحطب، وقيل حال من { امرأته } وهو معنى لطيف على ما سيأتي.

السابقالتالي
2 3