الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ }

قوله: { وَمَا خَلَقَ }: يجوزُ في " ما " أَنْ تكونَ بمعنى " مَنْ " وهو رأيُ جماعةٍ تقدَّم ذِكْرُهمْ في السورةِ قبلَها. وقيل: هي مصدريةٌ. وقال الزمخشري: " والقادرُ: العظيمُ القدرةِ الذي قَدَرَ على خَلْقِ الذكَرِ والأنثى من ماءٍ واحدٍ " قلت: قد تقدَّم تقريرُ قولِه هذا وما اعْتُرِضَ به عليه، وما أُجيب عنه، في السورةِ قبلها. وقرأ أبو الدرداء " والذَّكرِ والأنثى " وقرأ عبد الله " والذي خَلَق " ، والكسائيُّ ـ ونَقَلها ثعلبٌ عن بعض السَّلَف ـ " وما خَلَقَ الذَّكَرِ " بجرِّ " الذكَرِ " قال الزمخشري: " على أنه بدلٌ من محلِّ " ما خَلَقَ " بمعنى " وما خَلَقَه " أي: ومخلوقِ اللَّهِ الذكَرِ، وجاز إضمارُ " الله " لأنه معلومٌ بانفرادِه بالخَلْق ". وقال الشيخ: " وقد يُخَرَّجُ على تَوَهُّم المصدرِ، أي: وخَلْقِ الذَّكرِ، كقوله:
4583ـ تَطُوفُ العُفاةُ بأبوابِه   كما طاف بالبَيْعَةِ الراهبِ
بجرِّ " الراهب " على توهُّمِ النطقِ بالمصدر، أي: كطَوافِ الراهبِ " انتهى. والذي يَظْهَرُ في تخريجِ البيت أنَّ اصلَه " الراهبيّ " بياءِ النسَبِ، نسبةً إلى الصفةِ، ثم خُفِّف، وهو قليلٌ كقولِهم: أَحْمري ودَوَّاري، وهذا التخريجُ بعينِه في قولِ امرئ القيس:
4584ـ................   فَقِلْ في مَقيلٍ نَحْسُه مُتَغَيِّبِ
استشهد به الكوفيون على تقديمِ الفاعلِ. وقرأ العامَّةُ { تَجَلَّىٰ } فعلاً ماضياً، وفاعلُه ضميرٌ عائدٌ على النهار. وعبد الله بن عبيد بن عمير " تَتَجَلَّىٰ " بتاءَيْن، أي: الشمس. وقُرئ " تُجْلي " بضمِّ التاءِ وسكونِ الجيم، أي: الشمسُ ايضاً، ولا بُدَّ من عائدٍ على النهارِ محذوفٍ، أي: تتجلَّىٰ أو تُجْلِي فيه.