الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ }

قوله: { ٱلَّذِي خَلَقَ }: يجوزُ أَنْ يكونَ تابعاً للعزيز الغفور نعتاً أو بياناً أو بدلاً، وأَنْ يكونَ منقطِعاً عنه خبرَ مبتدأ، أو مفعولَ فعلٍ مقدرٍ.

قوله: { طِبَاقاً } صفةٌ لـ " سبعَ " وفيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه جمعُ طَبَق نحو: جَبَل وجِبال. والثاني: أنه جمعُ طَبَقة نحو: رَقَبة ورِقاب. والثالث: أنه مصدرُ طابَقَ يقال: طابقَ مُطابقة وطِباقاً. ثم: إمَّا أَنْ يجعلَ نفسَ المصدرِ مبالغةً، وإمَّا على حَذْفِ مضافٍ أي: ذاتَ طباق، وإمَّا أَنْ ينتصِبَ على المصدرِ بفعلٍ مقدرٍ أي: طُوْبِقَتْ طباقاً مِنْ قولِهم: طابَقَ النعلَ أي: جعله طبقةً فوق أخرى.

قوله: { مِن تَفَاوُتٍ } هو مفعولُ " تَرَى " و " مِنْ " مزيدةٌ فيه. وقرأ الأخَوان " تَفَوُّتٍ " بتشديدِ الواوِ دون ألفٍ. والباقون بتخفيفها بعد ألفٍ، وهما لغتان بمعنىً واحدٍ كالتعهُّد والتعاهد، والتظهُّر والتظاهُر. وحكى أبو زيد " تفاوَتَ الشيءُ تفاوُتاً بضم الواو وفتْحِها وكسرِها، والقياسُ الضمّ كالتقابُل، والفتحُ والكسرُ شاذان. والتفاوُت: عدمُ التناسُبِ؛ لأنَّ بعض الأجزاءِ يَفُوت الآخَرَ. وهذه الجملةُ المنفيةُ صفةٌ مُشايعةٌ لقولِه: " طباقاً " وأصلُها: ما ترى فيهنَّ، فوضَع مكانَ الضميرِ قوله: { خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } تعظيماً لخلقِهنَّ وتنبيهاً على سببِ سلامَتهن، وهو أنه خَلْقُ الرحمن، قاله الزمخشريُّ، وظاهر هذا: أنه صفةٌ لـ " طباقاً " ، وقام الظاهرُ فيها مَقامَ المضمرِ، وهذا إنما نعرِفُه في خبرِ المبتدأ، وفي الصلةِ، على خلافٍ فيهما وتفصيلٍ.

وقال الشيخ: " الظاهرُ أنه مستأنَفٌ " وليس بظاهرٍ لانفلاتِ الكلامِ بعضِه من بعض.

و " خَلْق " مصدرٌ مضافٌ لفاعِله، والمفعولُ محذوفٌ أي: في خَلْقِ الرحمنِ السماواتِ، أو كلَّ مخلوقٍ، وهو أَوْلى ليعُمَّ، وإن كان السياقُ مُرْشِداً للأول.

قوله: { فَٱرْجِعِ } مُتَسَبِّبٌ عن قولِه: " ما تَرَى " و " كرَّتَيْن " نصبٌ على المصدرِ كمرَّتَيْن، وهو مثنى لا يُراد به حقيقتُه، بل التكثيرُ، بدليلِ قولِه: { يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } أي: مُزْدجراً وهو كليلٌ، وهذان الوصفان لا يأتيان بنظرتَيْن ولا ثلاثٍ، وإنما المعنى كرَّات، وهذا كقولهم: " لَبَّيْك وسَعْديك وحنانَيْك ودَواليك وهذاذَيْك لا يُريدون بهذه التثنيةِ شَفْعَ الواحدِ، إنما يريدون التكثيرَ أي: إجابةً لك بعد أخرى، وإلاَّ تناقَضَ الغرضُ، والتثنيةُ تفيدُ التكثيرَ لقرينةٍ كما يُفيده أصلُها، وهو العطفُ لقرينةٍ كقولِه:
4282ـ لو عُدَّ قبرٌ كنتَ أكرَمَهم   ......................
أي: قبول كثيرة ليتِمَّ المَدْحُ. وقال ابن عطية: " كَرَّتَيْن معناه مَرَّتَيِن، ونصبُها على المصدرِ ". وقيل: الأُوْلى ليُرى حُسْنُها واستواؤُها، والثانية لتُبْصَرَ كواكبُها في سَيْرها وانتهائِها، وهذا تظاهُرٌ يُفْهِمُ التثنية فقط.

قوله: { هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } هذه الجملةُ يجوز أن تكونَ مُعَلِّقَةً لفعلٍ محذوفٍ يَدُلُّ عليه " فارْجِعِ البصر " أي: فارْجِعِ البصرَ فانظر: هل ترى، وأَنْ يكونَ " فارجعِ البصر " مضمَّناً معنى انظر؛ لأنه بمعناه، فيكونُ هو المعلَّق. وأدغَم أبو عمرو لامَ " هل " في التاء هنا، وفي الحاقة وأَظْهرها الباقون، وهو المشهورُ في اللغة.

والفُطور: الصُّدوع والشُّقوق قال:
4283ـ شَقَقْتُ القلب ثم ذَرَرْتُ فيه   هواكِ فَلِيْطَ فالتأَمَ الفُطورُ