الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

{ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ } أي: قراباتكم { وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } أي: بإثابة المؤمنين، ومعاقبة العاصين.

وقال القاشانيّ: أي: لا نفع لمن اخترتم موالاة العدوّ الحقيقي لأجله؛ لأن القيامة مفرقة. وهذا معنى قوله: { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } أي: يفصل الله بينكم وبين أرحامكم وأولادكم كما قال:يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ } [عبس: 34 - 36] انتهى، وهو تأويل جيد.

لطيفة

قال السمين: يجوز في { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } وجهان:

أحدهما: أن يتعلق بما قبله، أي: لن تنفعكم يوم القيامة، فيوقف عليه، ويبتدأ بـ { يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ }.

الثاني: أن يتعلق بما بعده أي: يفصل بينكم يوم القيامة، فيوقف على { أَوْلاَدُكُمْ } ، ويبتدأ بـ { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ }

{ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي: فيجازيكم عليه.

تنبيهات

الأول: قال ابن جرير: ذكر أن هذه الآيات من أول هذه السورة، نزلت في شأن حاطب بن أبي بلتعة، وكان كتب إلى قريش بمكة يطلعهم على أمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخفاه عنهم - ثم ساق الروايات.

وأما رواية البخاريّ فعن عليّ رضي الله عنه قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، فقال: " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها " ، فذهبنا تَعَادَى بنا خيلنا، حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتاب! فقلنا: لتخرِجنَّ الكتاب، أو لنُلْقِيَنّ الثياب. فأخرجته من عقاصها، فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه:

من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين، يخبرهم ببعض أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما هذا يا حاطب؟ " قال: لا تعجل عليّ يا رسول الله! إني كنت امرءاً من قريش، ولم أكن من أنفسهم. وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذ فاتني من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يداً يحمون قرابتي. وما فعلت ذلك كفراً، ولا ارتداداً عن ديني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه قد صدقكم " فقال عمر: دعني يا رسول الله فأضرب عنقه! فقال: " إنه شهد بدراً، وما يدريك، لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم! " ".

قال عمرو بن دينار - راوي الحديث - ونزلت فيه:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي... } [الممتحنة: 1] الآيات.

قال ابن كثير: كان حاطب هذا رجلاًً من المهاجرين، ومن أهل بدر، وكان له بمكة أولاد ومال، ولم يكن من قريش أنفسهم، بل كان حليفاً لعثمان.

السابقالتالي
2 3