الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

وقوله - عز وجل -: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ }:

هو على الإضمار - والله أعلم - كأنه قال: حرم عليكم أكل الميتة والدم وأكل لحم الخنزير... إلى آخر ما ذكر؛ ألا ترى أنه قال: يجوز الانتفاع بصوف الميتة وبعظمها؛ دل أنه على الإضمار: إضمار " أكل " ، وأما الانتفاع بجلدها لا يجوز إلا بعد الدباغ؛ لأن الجلد ربما يشوى مع اللحم فيؤكل؛ فهو حرام كاللحم، إلا أن يدبغ.

ثم في الآية دليل الامتحان من وجهين:

أحدهما: إباحة التناول من جوهر، وامتحن بحرمة الخنزير والدم لم يحله بسبب ولا بغير سبب، وامتحن بحل الآخر بسبب، وحَرَّم بسبب.

والثاني: امتحن بسبب حل تنفر الطباع عنه؛ لأن كل ذي روح يتألم بالذبح واستخراج الروح منه، وجعل طبيعة كل أحد مما ينفر عنه لم يتألم به؛ لتطيب أنفسهم بذلك، ثم جعل ما يخرج من الأرض كله حلالاً بلا سبب يكتسبون، إلا ما لا يقدرون على التناول منه؛ لخوف الهلاك؛ لأنه موات لا تنفر الطبائع عنه، ثم جعل أسباب الحل أسباباً يكتسبون مما لا يعمل في استخراج ذلك الدم المحرم منه حل أكله، وإذا لم يعمل في استخراج ذلك الدم؛ فهلك فيه - أفسده؛ لأنه أتلف فيه ما هو محرم فأفسده؛ فاستخراج ذلك الدم مما يطيب ذلك، ويمنع عن الفساد، إلا في طول الوقت، والذي هلك فيه الدم يفسد في قليل الوقت.

وقوله - عز وجل -: { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ }:

قال الكسائي: { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ }: أي: ذكر وسمى عليه غير اسم الله، مشتقة من استهلال الصبي، ومنه أهلّ الهلال، وأهل المهل بالحج إذا لبى.

قال قتادة: كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة؛ حتى إذا ماتت أكلوها.

والكافر - في الحقيقة - يهل لغير الله؛ لأنه لا يعرف الله حقيقة، لكنه أجيز ذبائح الكتابي؛ لأنه يسمي عليها اسم الله تعالى.

{ وَٱلْمَوْقُوذَةُ }: كانوا يضربون بالعصي حتى إذا ماتت أكلوها.

{ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ }: كانت تردى في بئر أو من جبل؛ فتموت.

{ وَٱلنَّطِيحَةُ }: كان الكبشان يتناطحان؛ فيموت أحدهما، فيأكلونه.

{ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ }: كان أهل الجاهلية إذا قتل السبع شيئاً من هذا وأكل منه، أكلوا ما بقي؛ فقال الله - تعالى -: { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ }.

ثم روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ } فما أَدْرَكْتَ من هذا كُلِّه يتحرك [له الذَّنَبُ]، أو يَطْرف له العينُ - فاذبحْ، واذكر اسم الله عليه؛ فهو حلال.

وروي عن علي - رضي الله عنه - قال: إذا طرفت بعينها، أو ركضت برجلها أو حركت ذنبها - فهي ذكية.

السابقالتالي
2 3 4 5