الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }

{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } أي: يصدقون: { بِٱلْغَيْبِ } الغيب في الأصل مصدر غاب، بمعنى استتر واحتجب وخفي، وهو بمعنى الفاعل - كالزور للزائر - أُطلق عليه مبالغة، والمراد به ما لا يقع تحت الحواس، ولا تقتضيه بداهة العقول، وإنما يعلم بخبر الأنبياء عليهم السلام. والمعنى يؤمنون بما لا يتناوله حسّهم، كذاته تعالى، وملائكته، والجنة، والنار، والعرش والكرسي، واللوح ونحوها.

{ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ } أي: يؤدّونها بحدودها وفروضها الظاهرة والباطنة، كالخشوع والمراقبة وتدبر المتلوّ والمقروء. قال الراغب: إقامة الصلاة توفية حدودها، وإدامتها، وتخصيص الإقامة تنبيه على أنه لم يُرِد إيقاعها فقط. ولهذا، لم يأمر بالصلاة ولم يمدح بها إلا بلفظ الإقامة نحوأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } [هود: 114، الإسراء: 78، وطه: 14، والعنكبوت: 45]، وقوله:وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } [النساء: 162]، وٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } [المائدة: 55]. ولم يقل: المصلي، إلا في المنافقينفَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } [الماعون: 4-5]، وذلك تنبيه على أن المصلين كثير والمقيمين لها قليل - كما قال عمر رضي الله عنه: الحاج قليل والركب كثير - ولهذا قال عليه السلام: " من صلى ركعتين مقبلاً بقلبه على ربه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " فذكر مع قوله: " صلى " الإقبال بقلبه على الله تنبيهاً على معنى الإقامة، وبذلك عظم ثوابه. وكثير من الأفعال التي حث تعالى على توفية حقه، ذكره بلفظ الإقامة، نحو:وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } [المائدة: 66] ونحو:وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ } [الرحمن: 9] تنبيهاً على المحافظة على تعديله. انتهى.

فالإقامة من أقام العود إذا قوّمه، و " الصلاة " فعلة من صلّى إذا دعا، كـ " الزكاة " من زكى - وإنما كتبتا بالواو مراعاة للفظ المفخّم - وإنما سمي الفعل المخصوص بها لاشتماله على الدعاء.

{ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } أي: يؤتون مما رزقناهم من الأموال من شرع لهم إيتاؤه والإنفاق عليه من الفقراء والمساكين وذوي القربى واليتامى وأمثالهم، على ما بيّن في آيات كثيرة.