الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } * { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } * { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }

قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ، أي: خسرت. وتقدم تفسير هذه المادة في سورة غافر عند قوله:إِلاَّ فِي تَبَابٍ } [غافر: 37]، وأسند الفعل إلى اليدين مجازاً؛ لأن أكثر الأفعال تزاول بهما، وإن كان المراد جملة المدعو عليه.

وقوله: { تَبَّتْ } دعاء، { وَتَبَّ } إخبار، أي: قد وقع ما دعي به عليه؛ كقول الشاعر: [الطويل]
5341- جَزانِي، جَزَاهُ اللهُ شَرَّ جزَائِـه   جَزاءَ الكِلابِ العَاويَاتِ وقَدْ فعلْ
ويؤيده قراءة عبد الله: " وقَدْ تبَّ " ، والظَّاهر أنَّ كليهما دعاء، ويكون في هذا شبه من مجيء العام بعد الخاص؛ لأن اليدين بعض، وإن كان حقيقة اليدين غير مراد.

وقيل: كلاهما إخبار، أراد بالأول: هلاك عمله، وبالثاني: هلاك نفسه، وإنما عبر باليدين؛ لأن الأعمال غالباً تُزاول بهما.

وقيل: المراد باليدين نفسه وقد يعبر باليد عن النفس، كقوله تعالى:بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } [الحج: 10]، أي نفسك، وهذا شائع في كلام العرب يعبّرون ببعض الشيء عن كله، يقولون: أصابه يد الدهر، ويد المنايا، والرزايا، أي: أصابه كل ذلك.

قال الشاعر: [مخلع البسيط]
5342- لمَّـا أكبَّـتْ يَـدُ الرَّزَايَـا   عَليْـهِ نَـادَى ألاّ مُجِيـرُ
وقال ابن الخطيب: وعبر باليدين، إما لأنه كان يرمي النبي صلى الله عليه وسلم بالحجارة، وقيل: المراد دينه، ودنياه وأولاده، وعقباه، أو المراد بأحدهما جر المنفعة، وبالأخرى: دفع المضرة، أو لأن اليمين سلاح، والأخرى جُنَّة.

وقل: بمعنى ماله، وبنيه، " وتَبَّ " هو نفسه وقيل: " تبَّ " يعني ولده وعقبه، وهو الذي دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللَّهمَّ سلِّط عليْهِ كَلباً من كِلابِكَ " لشدة عداوته، فافترسه الأسد.

وقرأ العامة: " لَهَب " بفتح الهاء، وابن كثير: بإسكانها.

فقيل: هما لغتان بمعنى نحو: النَّهَر والنَّهْر، والشَّعَر والشَّعْر، والبَعَر والبَعْر، والضَّجَر والضَّجْر.

وقال الزمخشري: " وهو من تغيير الأعلام، كقوله: شمس بن مالك، بالضم " ، يعني أن الأصل: بفتح الشين فغيرت إلى الضم.

ويشير بذلك لقول الشاعر: [الطويل]
5343- وإنِّي لمُهْدٍ مِنْ ثَنَائِي فَعاهِدٌ   بِهِ لابْنِ عَمِّ الصِّدْقِ شُمْسِ بْنِ مَالِكِ
وجوز أبو حيان في " شمس " أن يكون منقولاً من " شمس " الجمع، كما جاء " أذناب خيل شمس " ، فلا يكون من التغيير في شيء.

وكني بذلك أبو لهب: إما لالتهاب وجنتيه، وكان مشرق الوجه، أحمرهُ، وإما لما يئول إليه من لهب جهنم، كقولهم: أبو الخير، وأبو الشر، لصدورهما منه، وإما لأن الكنية أغلب من الاسم، أو لأنها أنقص منه، ولذلك ذكر الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بأسمائهم جدون كُناهم، أو لقُبحِ اسمه؛ لأن اسمه عبد العُزَّى، فعدل عنه إلى الكنية؛ لأن الله لم يضف العبودية في كتابة إلى صنم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7