الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون } المراد بضرب المثل هنا تطبيق حالة عجيبة باخرى مثلها كما مر فى اوائل سورة يس ومثلا مفعول ثان لضرب ورجلا مفعوله الاول اخر عن الثانى للتشويق اليه وليتصل به ما هو من تتمته التى هى العمدة فى التمثيل وفيه خبر مقدم لقوله شركاء والجملة فى حيز النصب على الوصفية لرجلا والتشاكس بايكديكر بدخويى كردن. قال فى المفردات الشكس السيىء الخلق ومتشاكسون متشاجرون بشكاسة خلقهم. وفى القاموس وكندس الصعب الخلق وككتف البخيل ومتشاكسون مختلفون عسرون وتشاكسوا تخالفوا. والمعنى جعل الله تعالى للمشرك مثلا حسبما يقود اليه مذهبه من ادعاء كل من معبوديه عبوديته عبدا يتشارك فيه جماعة يتجاذبونه ويتعاورونه فى مهماتهم المتباينة فى تحسره وتوزع قلبه { ورجلا } اى وجعل للموحد مثلا { سلما } خالصا { لرجل } فرد ليس لغيره عليه سبيل اصلا فالتنكير فى كل منهما للافراد اى فردا من الاشخاص لفرد من الاشخاص. والسلم بفتحتين وكقتل وفسق مصدر من سلم له كذا اى خلص نعت به مبالغة كقولك رجل عدل او حذف منه ذو بمعنى ذا سلامة لرجل اى ذا خلوص له من الشرك. والرجل ذكر من بنى آدم جاوز حد الصغر وتخصيص الرجل لانه انطق لما يجرى عليه من الضر والنفع لان المرأة والصبى قد يغفلان عن ذلك { هل } استفهام انكار { يستويان } آيا مساوى باشد اين دو بنده { مثلا } من جهة الصفة والحال نصب على التمييز والوحدة حيث لم يقل مثلين لبيان الجنس وارادته فيعم اى هل يستوى حالهما وصفاتهما يعنى لا يستويان. والحاصل ان الكافر كالعبد الاول فى كونه حيران متفرق البال لانه يعبد آلهة مختلفة اى اصناما لا يجيىء منها خير بل تكون سببا لوقوعه فى اسفل سافلين كما ان العبد يخدم ملاكا متعاسرين مختلفى الاهوية لا يصل اليه منهم منفعة اصلا والمؤمن كالعبد الثانى فى انضباط احواله واجتماع باله حيث يعبد ربا واحدا يوصله الى اعلى عليين كما ان العبد يخدم سيدا واحدا يرضى عنه ويصل اليه بالعطاء الجزيل
يك يار بسنده كن جويك دل دارى   
{ الحمد لله } حيث خصمهم كما قال مقاتل اى قطعهم بالخصومة وغلبهم واظهر الحجة عليهم ببيان عدم الاستواء بطريق ضرب المثل { بل اكثرهم لا يعلمون } اضراب وانتقال من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور الى بيان ان اكثر الناس وهم المشركون لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره فيبقون فى ورطة الشرك والضلال من فرط جهلهم. وفى الآية اشارة الى بيان عدم الاستواء بين الذى يتجاذبه شغل الدنيا وشغل العيال وغير ذلك من الاشياء المختلفة والخواطر المتفرقة وبين الذى هو خالص لله ليس للخلق فيه نصيب ولا للدنيا نسيب وهو من الآخرة غريب والى الله قريب منيب.

السابقالتالي
2