{ ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } أي: انطلقوا إلى العذاب الذي كنتم تكذبون به في الدنيا. ثم كرر فقال: { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ } وقرأتُ ليعقوب من رواية رويس عنه: " انطلَقوا إلى ظل " بفتح اللام؛ إخباراً عن امتثالهم ما أُمروا به من الانطلاق، وهي قراءة أبيّ بن كعب وأبي عمران. قال ابن قتيبة وغيره: الظِّلُّ هاهنا: ظل من دخان نار جهنم، سَطَعَ ثم افترق ثلاث فِرَق، وهكذا شأن الدخان العظيم تراه [يتفرّق] ذوائب إذا ارتفع، فيقال لهم: كونوا فيه إلى أن يُفرغ من الحساب، كما يكون أولياء الله في ظل عرشه. قال مجاهد: تكون شُعبة فوق الإنسان، وشُعبة عن يمينه، وشُعبة عن شماله، فيحيط به دخان جهنم. ثم وصف ذلك الظل فقال: { لاَّ ظَلِيلٍ } يعني: لا يظل من الحر، { وَلاَ يُغْنِي مِنَ ٱللَّهَبِ }. قال الكلبي: لا يردّ عنهم لهب جهنم. وقد ذكرنا فيما مضى: أن اللهب ما يعلو على النار إذا أضرمت من أصفر وأحمر وأخضر. ثم وصف النار فقال: { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ } الشَّرَرُ: جمع شَرَرَة، وهو ما تطاير من النار متفرقاً. والقَصْر: واحد القُصُور المبنية، في قول ابن مسعود وابن عباس وجمهور المفسرين. وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس قال: كنا نرفع الخشب للشتاء ثلاثة أذرع أو أقل، ونسميه القصر. { كَأَنَّهُ جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ } أي: حبال السفن، تُجمع حتى تكون كأوساط الرجال. وقال مجاهد: القَصْرُ: الجبل. وقال الضحاك وسعيد بن جبير: القَصْرُ: أصولُ النخل والشجر العظام، واحدتها: قَصْرَة، مثل تمرة وتمر، وجمرة وجمر. وقرأ علي عليه السلام وابن عباس وأبو رزين ومجاهد وأبو الجوزاء: " كالقَصَر " بفتح الصاد، مثل: شَجَرة وشَجَر. قال الزجاج: أراد: أعناق الإبل. وقال ابن قتيبة: أراد: أصول النخل المقطوعة. وقرأ ابن مسعود وأبو هريرة والنخعي: بضم القاف والصاد، بمعنى: القصور، كَرَهْن ورُهُن. وقرأ سعيد بن جبير بخلاف عنه: بكسر القاف وفتح الصاد ، جمع قَصَرَة. قال أبو حاتم: ولعله لغة. ونظيرها من الكلام: حَوَجَة وحِوَج. قال ابن جني: وقالوا أيضاً في حَلْقَة الحديد: حَلَقَة وحَلَقٌ -بفتح اللام-، وقالوا: حِلَق؛ بكسر الحاء. وقرأ أبو الدرداء وغيره: " كالقُصْر " بضم القاف وسكون [الصاد، بتخفيف] قُصُر. ثم أردف التشبيه بمثله فقال: { كَأَنَّهُ جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ }. قرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر: " جِمَالَةٌ " على التوحيد، جمع جَمَل، [مثل]: حَجَر وحجارة. قال مكي: لحقته هاء التأنيث؛ لتأنيث الجمع، كما قالوا: فَحْل وفِحَال وفِحَالَة. ومثلهم قرأ أبو رزين، وحميد، وأبو حيوة، غير أنهم ضموا الجيم، [وهو حبل] السفينة. وقرأ الباقون من السبعة: بكسر الجيم وزيادة ألف على الجمع.