الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }

قوله: { ذَلِكَ }: مبتدأٌ. والإِشارةُ به إلى ما تعاقَدَا عليه، والظرفُ خبرُه. وأُضِيْفَتْ " بين " لمفردٍ لتكررِها عطفاً بالواوِ. ولو قلتَ: " المالُ بين زيدٍ فعمرٍو " لم يَجُزْ. فأمَّا قولُه:
3599ـ.......................     ......... بين الدَّخولِ فَحَوْمَلِ
فكان الأصمعيُّ يَأْباها ويَرْوي " وحَوْمَلِ " بالواو. والصحيحُ بالفاءِ، وأوَّلَ البيتَ على: " الدَّخولِ وَحَوْمَلِ " مكانان كلٌّ منهما مشتملٌ على أماكنَ، نحو قولِك: " داري بين مصرَ " لأنه به المكانُ الجامع. والأصل: ذلك بَيْنَنا، ففرَّق بالعطف.

قوله: { أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ } " أيّ " شرطيةٌ. وجوابُها " فلا عُدْوانَ " عليَّ. وفي " ما " هذه قولان، أشهرُهما: أنها زائدةٌ كزيادتِها في أخواتِها مِنْ أدواتِ الشرط. والثاني: أنها نكرةٌ. والأَجَلَيْن بدلٌ منها. وقرأ الحسن وأبو عمرٍو في رواية " أَيْما " بتخفيفِ الياءِ، كقوله:
3600ـ تَنَظَّرْتُ نَصْراً والسِّماكَيْنِ أَيْهُما     عليَّ من الغَيْثِ اسْتَهَلَّتْ مواطِرُهْ
وقرأ عبد الله " أَيَّ الأَجَلَيْنِ ما قَضَيْتُ " بإقحام " ما " بين " الأجلين " و " قَضَيْتُ ". قال الزمخشري: " فإنْ قلتَ: ما الفرقُ بين موقعَيْ زيادةِ " ما " في القراءتين؟ قلت: وقعَتْ في المستفيضة مؤكِّدةً لإِبهامِ " أيّ " زائدةً في شِياعِها، وفي الشاذَّة تأكيداً للقضاءِ كأنه قال: أيَّ الأجلين صَمَّمْتُ على قضائه، وجَرَّدْت عَزيمتي له ".

وقرأ أبو حيوةَ وابنُ قطيب " عِدْوان ". قال الزمخشري: " فإنْ قلتَ: تَصَوُّرُ العُدْوان إنما هو في أحد الأجلَيْن الذي هو أقصرُهما، وهو المطالبةُ بتتمَّة العَشْر، فما معنى تعلُّقِ العُدْوانِ بهما جميعاً؟ قلت: معناه كما أنِّي إنْ طُوْلِبْتُ بالزيادةِ على العشر [كان عدواناً] لا شك فيه، فكذلك إنْ طولِبْتُ بالزيادةِ على الثمان. أراد بذلك تقريرَ ِأمرِ الخِيارِ، وأنه ثابتٌ مستقرٌّ، وأن الأجلَيْنِ على السَّواء: إمَّا هذا وإمَّا هذا ". ثم قال: " وقيل: معناه: فلا أكونُ متعدياً. وهو في نَفْي العدوان عن نفسه كقولِك: لا إثمَ علي ولا تَبِعَةَ ". قال الشيخ: " وجوابُه الأولُ فيه تكثيرٌ ". قلتُ: كأنه أعجبه الثاني، والثاني لم يَرْتَضِه الزمخشريُّ؛ لأنه ليس جواباً في الحقيقة؛ فإن السؤالَ باقٍ أيضاً. وكذلك نَقَلَه عن غيره.

وقال المبرد: " وقد عَلِم أنه لا عُدْوانَ عليه في أتَمِّهما، ولكنْ جَمَعَهما ليجعلَ الأولَ كالأَتَمِّ في الوفاء ".