الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ }

الأذان في اللغة: الإعلام: ومنه قوله تعالىوَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ } [التوبة: 3] وقول الحرث بن حلزة:
آذنتنا ببينها أسماء   رب ثاوٍ يمل منه الثواء
والحج في اللغة: القصد، وكثرة الاختلاف، والتردد: تقول العرب: حج بنو فلان فلاناً: إذا قصدوه، وأطالوا الاختلاف إليه، والتردد عليه. ومنه قول المخبل السعدي:
ألم تعلمي يا أم أسعد أنما   تخاطأني ريب المنون لأكبرا
وأشهد من عوف حلولاً كثيرة   يحجون سب الزبرقان المزعفرا
قوله: يحجون يعني: يكثرون قصده، والاختلاف إليه، والتردد عليه. والسب بالكسر: العمامة. وعنى بكونهم يحجون عمامته: أنهم يحجونه، فكنى عنه بالعمامة. والرجال في الآية: جمع راجل، وهو الماشي على رجليه، والضامر: البعير ونحوه. المهزول: الذي أتعبه السفر. وقوله " يَأْتِينَ " يعني: الضوامر المعبر عنها بلفظ كل ضامر، لأنه في معنى: وعلى ضوامر يأتين من كل فج عميق، لأن لفظة " كُلَّ " صيغة عموم، يشمل ضوامر كثيرة: والفج: الطريق، وجمعه: فجاج: ومنه قوله تعالىوَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } [الأنبياء: 31] والعميق: البعيد، ومنه قول الشاعر:
إذا الخيل جاءت من فجاجٍ عميقةٍ   يمد بها في السير أشعث شاحب
وأكثر ما يستعمل العمق في البعد سفلاً، تقول: بئر عميقة: أي بعيدة القعر: والخطاب في قوله { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } لإِبراهيم كما هو ظاهر من السياق. وهو قول الجمهور، خلافاً لمن زعم أن الخطاب لنبينا صلى الله عليه وسلم، وعلى إبراهيم وسلم، وممن قال بذلك: الحسن، ومال إليه القرطبي، فقوله تعالى { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } أي وأمرنا إبراهيم أن أذن في الناس بالحج: أي أعلمهم، وناد فيهم بالحج: أي بأن الله أوجب عليهم حج بيته الحرام.

وذكر المفسرون أنه لما أَمره ربه، أن يؤذن في الناس بالحج قال: يا رب، كيف أبلغ الناس، وصوتي لا ينفذهم، فقال: ناد وعلينا البلاغ، فقام على مقامه. وقيل: على الحجر. وقيل: على الصفا. وقيل: على أبي قبيس، وقال: يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت، حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك.

قال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر هذا الكلام: هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وغير واحد من السلف والله أعلم، وأوردها ابن جرير وابن أبي حاتم مطولة. انتهى منه.

وقوله تعالى: { يَأْتُوكَ رِجَالاً } مجزوم في جواب الطلب، وهو عند علماء العربية مجزوم بشرط مقدر، دل عليه الطلب على الأصح: أي إن تؤذن في الناس بالحج يأتوك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد