الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ }

{ وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ } أي ناد فيهم { بِٱلْحَجّ } بدعوة الحج والأمر به، أخرج ابن أبـي شيبة في «المصنف» وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في «سننه» عن ابن عباس قال: «لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قال: رب قد فرغت فقال: أذن في الناس بالحج قال: يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعليَّ البلاغ قال: رب كيف أقول؟ قال: قل يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه أهل السماء والأرض ألا ترى أنهم يجيبون من أقصى البلاد يلبون» وجاء في رواية أخرى عنه أنه عليه السلام صعد أبا قبيس فوضع أصبعيه في أدنيه ثم نادى يا أيها الناس إن الله تعالى كتب عليكم الحج فأجيبوا ربكم فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وأول من أجاب أهل اليمن فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من أجاب يومئذ إبراهيم عليه السلام، وفي رواية أنه قام على الحجر فنادى، وعن مجاهد أنه عليه السلام قام على الصفا، وفي رواية أخرى عنه أنه عليه السلام تطاول به المقام حتى كان كأطول جبل في الأرض فأذن بالحج، ويمكن الجمع بتكرر النداء، وأياً ما كان فالخطاب لإبراهيم عليه السلام. وزعم بعضهم أنه لنبينا صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في حجة الوداع وروي ذلك عن الحسن وهو خلاف الظاهر جداً ولا قرينة عليه، وقيل: يأباه كون السورة مكية وقد علمت ما فيه أولها.

وقرأ الحسن وابن محيصن و { آذِنَ } بالمد والتخفيف أي أعلم كما قال البعض، وقال آخرون: المراد به هنا أوقع الإيذان لأنه على الأول كان ينبغي أن يتعدى بنفسه لا بفي فهو كقوله:
يجرح في عراقيبها نَصلي   
وقال ابن عطية: قد تصحفت هذه القراءة على ابن جني فإنه حكى عنهما { وَآذّن } فعلاً ماضياً وجعله معطوفاً على { بَوَّأْنَا } وتعقبه أبو حيان بأنه ليس بتصحيف بل قد حكى ذلك أبو عبد الله الحسين بن خالويه في «شواذ القراءات» من جمعه، وقرأ ابن أبـي إسحٰق { بالحج } بكسر الحاء حيث وقع.

وقوله تعالى: { يَأْتُوكَ } جزم في جواب الأمر وهو { آذن } على القراءتين و { طهر } على الثالثة كما قال صاحب «اللوامح». وإيقاع الإتيان على ضميره عليه السلام لكون ذلك بندائه، والمراد يأتوا بيتك، وقوله سبحانه: { رِجَالاً } في موضع / الحال أي مشاة جمع راجل كقيام جمع قائم. وقرأ ابن أبـي إسحٰق { رجالاً } بضم الراء والتخفيف وروي ذلك عن عكرمة والحسن وأبـي مجلز، وهو اسم جمع لراجل كطؤار لطائر أو هو جمع نادر، وروي عن هؤلاء وابن عباس ومحمد بن جعفر ومجاهد رضي الله تعالى عنهم { رجالا } بالضم والتشديد على أنه جمع راجل كتاجر وتجار، وعن عكرمة أنه قرأ { رجالى } كسكارى وهو جمع رجلان أو راجل، وعن ابن عباس وعطاء وابن حدير مثل ذلك إلا أنه شددوا الجيم.

السابقالتالي
2