الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } أي: منهم، لحكمة تقتضيه، أي: يوفقه للإسلام { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } أي: يتجاوز عما سلف منهم من الكفر والمعاصي { رَّحِيمٌ } أي: يتفضل عليهم ويثيبهم.

تنبيهات

الأول: فيما نقل في غزوة (حنين)، وتسمى غزوة (أوطاس)، وهما موضعان بين مكة والطائف، فسميت الغزوة باسم مكانهما، وتسمى غزوة (هوازن)؛ لأنهم الذين أتوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه الواقعة بعد فتح مكة، في شوال سنة ثمان من الهجرة، فإن الفتح كان لعشر بقين من رمضان، وبعده أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة ليلة، وهو يقصر الصلاة، فبلغه أن هوازن وثقيف جمعوا له، وهم عامدون إلى مكة، وقد نزلوا (حنيناً) وكانوا، حين سمعوا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، يظنون أنه إنما يريدهم، فاجتمعت هوازن إلى مالك بن عوف من بني نصر، وقد أوعب معه بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وبني جُشَم بن معاوية وبني سعد بن بكر، وناساً من بني هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية والأحلاف وبني مالك بن ثقيف بن بكر. وفي جشم دريد بن الصمة رئيسهم وكبيرهم، شيخ كبير، ليس فيه إلا رأيه ومعرفته بالحرب، وكان شجاعاً مجرباً، وجميع أمر الناس إلى مالك بن عوف. فلما أتاهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة، أقبلوا عامدين إليه، فأجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساق مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، يرى أنه أثبت لموقفهم، فلما نزل بأوطاس، اجتمع إليه الناس، فقال دريد: بأي وادٍ أنتم؟ قالوا: بأوطاس. قال: نِعْمَ مجال الخيل، لا حَزْنٌ ضِرْسٌ، ولا سهلٌ دَهْسٌ، مالي أسمع رغاء البعير، ونُهَاق الحمير، ويُعَار الشاء وبكاء الصغير؟ قالوا: ساق مالك مع الناس نساءهم وأموالهم وأبناءهم ليقاتلوا عنها، فقال: راعيَ ضأن، والله! وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسلاحه، وإن كانت عليك فُضِحْتَ في أهلك ومالك! ثم قال: ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا: لم يشهدها أحدٌ منهم: قال: غاب الحدّ والجِدّ، لو كان يوم علاءٍ ورفعةٍ لم يغب عنهم كعب ولا كلاب، ولودِدْت أنكم فعلتم ما فعلا. فمن شهدها منكم؟ قالوا: عَمْرو وعوف ابنا عامر. قال: ذانك الجذعان، لا ينفعان ولا يضران؛ ثم أنكر على مالك رأيه في ذلك وقال له: لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئاً، أرفعهم إلى ممتنع بلادهم، وعليا قومهم، ثم ألق الصبيان على متون الخيل شيئاً، فإن كانت لك، لحق بك من ورائك، وإن كانت لغيرك، كنت قد أحرزت أهلك ومالك.

السابقالتالي
2 3 4 5