الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }

وقوله تعالى: { ٱلْخَبِيثَـٰتُ } الخ كلام مستأنف مؤسس على السنة الجارية فيما بين الخلق على موجب أن لله تعالى ملكاً يسوق الأهل إلى الأهل، وقول القائل:
إن الطيور على أشباهها تقع   
أي الخبيثات من النساء { لِلْخَبِيثِينَ } من الرجال أي مختصات بهم لا يتجاوزنهم إلى غيرهم، على أن اللام للاختصاص { وَٱلْخَبِيثُونَ } أيضاً { لِلْخَبِيثَـٰتِ } لأن المجانسة من دواعي الانضمام { وَٱلطَّيّبَـٰتُ } منهن { لِلطَّيّبِينَ } منهم { وَٱلطَّيّبُونَ } أيضاً { لِلْطَّيّبَـٰتِ } منهن بحيث لا يتجاوزونهن إلى من عداهن وحيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب الأطيبين وخيرة الأولين والآخرين تبين كون الصديقة رضي الله تعالى عنها من أطيب الطيبات بالضرورة واتضح بطلان ماقيل فيها من الخرافات حسبما نطق به قوله سبحانه: { أُوْلَـئِكَ مُبَرَّءونَ مِمَّا يَقُولُونَ } على أن الإشارة إلى أهل البيت النبوي رجالاً ونساءً ويدخل في ذلك الصديقة رضي الله تعالى عنها دخولاً أولياً، وقيل: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والصديقة وصفوان، وقال الفراء: إشارة إلى الصديقة وصفوان والجمع يطلق على ما زاد على الواحد.

وفي الآية على جميع الأقوال تغليب أي أولئك منزهون مما يقوله أهل الإفك في حقهم من الأكاذيب الباطلة. وجعل الموصوف للصفات المذكورة النساء والرجال حسبما سمعت رواه الطبراني عن ابن عباس ضمن خبر طويل، ورواه الإمامية عن أبـي جعفر وأبـي عبد الله رضي الله تعالى عنهما، واختاره أبو مسلم والجبائي وجماعة وهو الأظهر عندي. وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس أخرجها الطبراني أيضاً وابن مردويه وغيرهما أن الخبيثات والطيبات صفتان للكلم والخبيثون والطيبون صفتان للخبيثين من الناس وروي ذلك عن الضحاك والحسن، و { ٱلْخَبِيثُونَ } عليه شامل للرجال والنساء على سبيل التغليب وكذا { ٱلطَّيّبُونَ } و { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى الطيبين وضمير { يَقُولُونَ } للخبيثين، وقيل للآفكين أي الخبيثات من الكلم للخبيثين من الرجال والنساء أي مختصة ولائقة بهم لا ينبغي أن تقال في حق غيرهم وكذا الخبيثون من الفريقين أحقاء بأن يقال في حقهم خبائث الكلم والطيبات من الكلم للطيبين من الفريقين مختصة وحقيقة بهم وهم أحقاء بأن يقال في شأنهم طيبات الكلم أولئك الطيبون مبرؤن عن الاتصاف مما يقول الخبيثون وقيل الآفكون في حقهم فمآله تنزيه الصديقة رضي الله تعالى عنها أيضاً.

وقيل: المراد الخبيثات من القول مختصة بالخبيثين من فريقي الرجال والنساء لا تصدر عن غيرهم والخبيثون من الفريقين مختصون بالخبيثات من القول متعرضون لها والطيبات من القول للطيبين من الفريقين أي مختصة بهم لا تصدر عن غيرهم والطيبون من الفريقين مختصون بالطيبات من القول لا يصدر عنهم غيرها أولئك الطيبون مبرؤن مما يقول الخبيثون أي لا يصدر عنهم مثل ذلك، وروي ذلك عن مجاهد، والكلام عليه على حذف مضاف إلى ما؛ ومآله الحط على الآفكين وتنزيه القائلين سبحانك هذا بهتان عظيم.

السابقالتالي
2 3