الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ أَوْ كَٱلَّذِى مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ } عطف على سابقه والكاف إما اسمية بمعنى مثل معمولة ـ لأرأيت ـ محذوفاً أي ـ أو أرأيت مثل الذي مر ـ وإلى ذلك ذهب الكسائي والفراء وأبو علي وأكثر/ النحويين وحذف لدلالةأَلَمْ تَرَ } [البقرة: 258] عليه على أنه قد قيل: إن مثال هذا النظم كثيراً ما يحذف منه فعل الرؤية كقوله:
قال لها كلابها أسرعي   كاليوم (مطلوباً ولا طالباً)
وجيء بهذه الكاف للتنبيه على تعدد الشواهد وعدم انحصارها فيما ذكر كما في قولك ـ الفعل الماضي ـ مثل: نصر، وتخصيص هذا بذلك على ما قيل: لأن منكر الإحياء كثير، والجاهل بكيفيته أكثر من أن يحصى بخلاف مدعي الربوبية، وقيل: إنها زائدة ـ وإلى ذلك ذهب الأخفش ـ أي: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم أو الذي مر الخ، وقيل: إنه عطف محمول على المعنى كأنه قيل: ألم تر كالذي حاج أو كالذي مر وقيل: إنه من كلام إبراهيم عليه السلام ذكره جواباً لمعارضة ذلك الكافر، وتقديره وإن كنت تحي فأحي كإحياء الذي مرّ، ولا يخفى ضعفه للفصل وكثرة التقدير، وإنما لم تجعل الكاف أصلية والعطف على { ٱلَّذِي } نفسه في الآية السابقة لاستلزامه دخول (إلى) على الكاف، وفيه إشكال لأنها إن كانت حرفية فظاهر وإن كانت اسمية فلأنها مشبهة بالحرف في عدم التصرف لا يدخل عليها من الحروف إلا ما ثبت في كلامهم، وهو ـ عن ـ وذلك على قلة أيضاً، وقال بعضهم: إن كلاً من لفظ (ألم تر) و (أرأيت) مستعمل لقصد التعجب إلا أن الأول: تعلق بالمتعجب منه فيقال: ألم تر إلى الذي صنع كذا بمعنى أنظر إليه فتعجب من حاله، والثاني: بمثل المتعجب منه فيقال ـ أرأيت مثل الذي صنع كذا بمعنى أنه من الغرابة بحيث لا يرى له مثل ولا يصح ألم تر إلى مثله إذ يكون المعنى أنظر إلى المثل وتعجب من الذي صنع، ولذا لم يستقم عطفك { ٱلَّذِي مَرَ } علىٱلَّذِي حَآجَّ } [البقرة: 258] ويحتاج إلى التأويل في المعطوف بجعله متعلقاً بمحذوف ـ أي أرأيت كالذي مر ـ فيكون من عطف الجملة أو في المعطوف عليه نظراً إلى أنه في معنى ـ أرأيت كالذي حاج ـ فيصح العطف عليه؛ ومن هذا يعلم أن عدم الاستقامة ليس لمجرد امتناع دخول (إلى) على الكاف بل لو قلت: ألم تر إلى الذي حاج أو مثل الذي مر فعدم الاستقامة بحاله عند من له معرفة بأساليب الكلام، وإن هذا ليس من زيادة الكاف في شيء بل لا بد في التعجب بكلمة (أرأيت) من إثبات كاف، أو ما في معناه ـ ولا يخفى أن هذا من الغرابة بمكان ـ فإن (ألم تر) يستعمل للتعجب مع التشبيه في كلام العرب كما يشير إليه كلام سيبويه، و (أرأيت) كثيراً ما يستعمل بدون الكاف أو ما في معناه، وهو في القرآن كثير وكيف يفرق بينهما بأن الأول تعلق بالمتعجب منه، وفي الثاني بمثله، والمثلية إنما جاءت من ذكر الكاف ولو ذكرت في الأول لكان مثله بلا فرق فهذا مصادرة على المطلوب فليس إلا ما ذكر أولاً سوى أن تقدير (أرأيت) مع الكاف أولى لأن استعماله معها أكثر فتدبر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8