الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

{ ألم تر } اى ألم ينته علمك الذى يضاهى العيان فى الايقان وحقيقته اعلم باخبارنا فانه مفيد لليقين { إلى الذى } اى الى قصة الملك الذى { حاج } اى جادل وخاصم وقابل بالحجة { إبراهيم } فى معارضة ربوبيته { فى ربه } وفى التعرض لعنوان الربوبية مع ان الاضافة الى ضميره عليه الصلاة والسلام تشريف له وايذان بتأييده فى المحاجة والذى حاج هو نمرود ابن كنعان بن سام بن نوح وهو اول من وضع التاج على رأسه وتجبر وادعى الربوبية { أن آتاه الله الملك } اى لان آتاه فهو مفعول له لقوله حاج. وله معنيان. احدهما انه من باب العكس فى الكلام بمعنى انه وضع المحاجة موضع الشكر اذ كان من حقه ان يشكر فى مقابلة ايتاء الملك ولكنه عكس ما هو الحق الواجب عليه كما تقول عادانى فلان لانى احسنت اليه تريد انه عكس ما كان يجب عليه من الموالاة لاجل الاحسان. والثانى ان ايتاء الملك حمله على ذلك لانه اورثه الكبر والبطر فنشأ عنهما المحاجة والمعنى اعطاه كثرة المال واتساع الحال وملك جميع الدنيا على الكمال. قال مجاهد لم يملك الدنيا باسرها الا اربعة مسلمان وكافران فالمسلمان سليمان وذو القرنين والكافران نمرود وبخت نصر وهو شداد بن عاد الذى بنى ارم فى بعض صحارى عدن. ثم هو حجة على من منع ايتاء الله الملك للكافر وهم المعتزلة لان مذهبهم وجوب رعاية الاصلح للعبد على الله وايتاء الله الملك للكافر تسليط له على المؤمنين وذلك ليس باصلح لحال المؤمن قلنا انما ملكه امتحانا له ولعباده { إذ قال إبراهيم } ظرف لحاج { ربى الذى يحيى ويميت } روى انه عليه السلام لما كسر الاصنام سجنه ثم اخرجه ليحرقه فقال من ربك الذى تدعونا اليه قال { ربى الذى يحيى ويميت } اى يخلق الحياة والممات فى الاجساد وجواب ابراهيم فى غاية الصحة لانه لا سبيل الى معرفة الله الا بمعرفة صفاته وافعاله التى لا يشاركه فيها احد من القادرين والاحياء والاماتة من هذا القبيل { قال } كأنه قيل كيف حاجه فى هذه المقالة القوية الحقة فقيل قال { أنا أحيى وأميت } روى انه دعا برجلين قد حبسهما فقتل احدهما واطلق الآخر فقال قد احييت هذا وامت هذا فجعل ترك القتل احياء وكان هذا تلبيسا منه { قال إبراهيم } كأنه قيل فماذا قال ابراهيم لمن فى هذه الرتبة فى المحاجة وبماذا افحمه فقيل قال { فان الله } جواب شرط مقدر تقديره قال ابراهيم اذا ادعيت الاحياء والاماتة واتيت بمعارضة مموهة ولم تعلم معنى الاحياء فالحجة ان الله { يأتى بالشمس من المشرق } تحريكا قسريا حسبما تقتضيه مشيئته والباء للتعدية { فائت بها من المغرب } تسييرا طبيعيا فانه اهون ان كنت قادرا على مثل مقدوراته تعالى ولم يلتفت عليه السلام الى ابطاله مقالة اللعين ايذانا بان بطلانها من الجلاء والظهور بحيث لا يكاد يخفى على احد وان التصدى بابطالها من قبيل السعى فى تحصيل الحاصل واتى بمثال لا يجد اللعين فيه مجالا للتمويه والتلبيس فهو عدول عن مثال الى مثال آخر لايضاح كلامه وليس انتقالا من دليل الى دليل آخر لان ذلك غير محمود فى باب المناظرة { فبهت الذى كفر } اى صار مبهوتا ومتحيرا مدهوشا وايراد الكفر فى حيز الصلة للاشعار بعلة الحكم والتنصيص على كون المحاجة كفرا.

السابقالتالي
2 3