الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

ويأمرنا الحق عز وجل أن نتقي الفتن من بدئها قبل أن يستفحل شأنها. وأن يتجنب الإنسان المعصية، وأن يضرب المجتمع على يد أي انحراف، فمن يسرق الآن الخزائن قد بدأ أولاً بسرقة اليسير، سرق من أخيه أو من البيت ثم من الجيران ثم من البنك. ولو أن كل انحراف عوجل بالضرب على يد من فعله وهو صغير لما كبر المنحرف والانحراف. ولتم وأد الجرائم الكبيرة في مهدها لأن من ارتكب الصغيرة قد عوقب. وإياكم أن يقول أحدكم ما دام مثل هذا الانحراف لا يمسني فليس لي به شأن لأن الذي اجترأ على مثلك، من السهل أن يجترىء عليك. ونحن نعرف جميعاً قصة الثيران الثلاثة الأحمر والأبيض والأسود، فقد هاجم الأسد الثور الأبيض فأكله، ولم يدافع عنه الثور الأحمر أو الأسود. وهاجم الأسد الثور الأحمر بعد ذلك فقال الثور الأسود لنفسه: ما دام الأسد لم يأكلني فلا دخل لي بهذا الأمر. وجاء الأسد إلى الثور الأسود، بينما هو يقترب منه قال: لقد أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض. إذن فقول الحق تبارك وتعالى: { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً.. } [الأنفال: 25]. هذا القول يدلنا على أن اتقاء الفتنة يبدأ من الضرب على أيدي صانع الفتنة وهي في بدايتها. وأضرب هذا المثل ليبقى في الذاكرة دائماً إن الأم التي قسمت الأكل بما فيه من لحم وخضر وفاكهة على الأبناء، فأكل أحد الأبناء نصيبه، ثم احتفظت الأم ببقية أنصبة إخوته في الثلاجة، ومن بعد ذلك لاحظت الأم أن الابن الذي أكل نصيبه يأكل نصيب أحد إخوته من خلف ظهرها ودون استئذانها، وهنا يجب أن تؤنبه وتعاقبه على مثل هذا الفعل حتى لا يتمادى في ذلك. كذلك إن دخل الابن بلعبة أو بشيء يفوق ثمنه قدرة مصروف يده على الشراء، فعلى الأب أن يضرب على يد الابن حتى لا يتمادى الولد في إفساد نفسه. ولذلك نجد أن الحق سبحانه وتعالى جعل الدية في القتل الخطأ على العاقلة وهم العصبة أي قرابة القاتل من جهة أبيه، ويطلق عليهم العائلة - أي عائلة القاتل - لأن أفراد العائلة حين يرون أن كلاً منهم سوف يصيبه جزء من الغرم، فإنه يضرب على يد من يتمادى في إرهاب الغير وتهديدهم إن كان من عائلته. ولذلك ترى أن الناس إذا رأوا الظالم ثم لم يضربوا على يده فإن الله يعمهم بغضب من عنده لأن الظالم يتمادى في ظلمه وطغيانه ويعربد في الآخرين. فيستشري الظلم في المجتمع ويحق على الجميع عقاب الله. ولذلك نجد سيدنا أبا بكر رضوان الله عليه - يقول، يبين لنا ذلك فيما رواه عنه الإمام أحمد.

السابقالتالي
2