الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

{ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ }. في «الكشاف» من عادته عز وجل في كتابه أن يذكر الترغيب مع الترهيب ويشفع البشارة بالإنذار إرادة التنشيط لاكتساب ما يزلف والتثبيط عن اقتراف ما يتلف فلما ذكر الكفار وأعمالهم وأوعدهم بالعقاب قفاه ببشارة عباده الذين جمعوا بين التصديق والأعمال الصالحة ا هـ. وجعل جملة { وبشر } معطوفة على مجموع الجمل المسوقة لبيان وصف عقاب الكافرين يعني جميع الذي فصل في قوله تعالىوإن كنتم في ريب } البقرة 23 إلى قولهأُعدت للكافرين } البقرة 24 فعَطف مجموع أخبار عن ثواب المؤمنين على مجموع أخبار عن عقاب الكافرين والمناسبة واضحة مسوغة لعطف المجموع على المجموع، وليس هو عطفاً لجملة معينة على جملة معينة الذي يطلب معه التناسب بين الجملتين في الخبرية والإنشائية، ونظّره بقولك زيد يعاقب بالقيد والإرهاق وبشر عمراً بالعفو والإطلاق. وجعل السيد الجرجاني لهذا النوع من العطف لقَبَ عطف القصة على القصة لأن المعطوف ليس جملة على جملة بل طائفة من الجمل على طائفة أخرى، ونظيره في المفردات ما قيل إن الواو الأولى والواو الثالثة في قوله تعالىهو الأول والآخر والظاهر والباطن } الحديد 3 ليستا مثل الواو الثانية لأن كل واحدة منهما لإفادة الجمع بين الصفتين المتقابلتين وأما الثانية فلعطف مجموع الصفتين المتقابلتين اللتين بعدها على مجموع الصفتين المتقابلتين اللتين قبلها ولو اعتبر عطف الظاهر وحده على إحدى السابقتين لم يكن هناك تناسب، هذا حاصله، وهو يريد أن الواو عاطفة جملة ذات مبتدأ محذوف وخبرين على جملة ذات مبتدأ ملفوظ به وخبرين، فالتقدير وهو الظاهر والباطن وليس المراد أن المبتدأ فيها مقدر لإغناء حرف العطف عنه بل هو محذوف للقرينة أو المناسبة في عطف جملة الظاهر والباطن على جملة الأول والآخر. إنهما صفتان متقابلتان ثبتتا لموصوف واحد هو الذي ثبتت له صفتان متقابلتان أخريان. قال السيد ولم يذكر صاحب «المفتاح» عطف القصة على القصة فتحير الجامدون على كلامه في هذا المقام وتوهموا أن مراد صاحب «الكشاف» هنا عطف الجملة على الجملة وأن الخبر المتقدم مضمن معنى الطلب أو بالعكس لتتناسب الجملتان مع أن عبارة «الكشاف» صريحة في غير ذلك وقصد السيد من ذلك إبطال فهم فهمه سعد الدين من كلام «الكشاف» وأودعه في شرحه «المطول» على «التلخيص». وجوز صاحب «الكشاف» أن يكون قوله { وبشر } معطوفاً على قولهفاتقوا } البقرة 24 الذي هو جواب الشرط فيكون له حكم الجواب أيضاً وذلك لأن الشرط وهوفإن لم تفعلوا } البقرة 24 سبب لهما لأنهم إذا عجزوا عن المعارضة فقد ظهر صدق النبي فحق اتقاء النار وهو الإنذار لمن دام على كفره وحقت البشارة للذين آمنوا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6