الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

ثم أخبر عمن لم يستطع بقوله تعالى: { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ } [النساء: 25]، إشارة في الآية: إن الله تعالى كما أحب نزاهة فراش المؤمن عن دنس السفاح، قد أحب نزاهته عن خسة النفس عند القدرة على نكاح الحرائر، ثم رخص برحمته في نكاح الإماء عند عدم الاستطاعة، فقال تعالى: { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } [النساء: 25]، وشرط فيه الإيمان، ولم يجز أن يكون فراش المؤمن ملوثاً بتلوث الشرك، والأمة جميعاً ورخص عند الضرورة بانفرادهما توسعاً ورحمة، فيجوز نكاح الكتابية المشركة، ويجوز نكاح الأمة المؤمنة، وفيه إشارة أخرى وهي: إن الله تعالى أحب نزاهة قلب المؤمن عن دنس حب الدنيا، كما أحب نزاهة فراشه فقال: { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } [النساء: 25]؛ أي: قدرة أن ينكح المحصنات المؤمنات، أن يسخر عجوز الدنيا الصالحة بأسرها ويجعلها منكوحة له، ويحصنها بتصرف شرائع الإسلام والإيمان، بحيث لا يكون لها تصرف في قلبه بوجه ما، { فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم } [النساء: 25]؛ أي: فيتصرف في القدر الذي ملكت يمين قلبه من الدنيا، فلا يملك قلبه، { مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } [النساء: 25]؛ أي: إذا كانت الدنيا له أمة مأمورة بخدمته وهي مؤمنة له بالخدمة، كما قال صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله: " يا دنيا: أخدمي من خدمني، واستخدمي من خدمك ".

{ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ } [النساء: 25]، بمراتب إيمانكم وضعفكم في الإيمان { بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ } [النساء: 25] في الضعف، فإنه خلق الإنسان ضعيفاً { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } [النساء: 25]؛ أي: فليتصرف في الدنيا وزهراتها بإذن سيدها، { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } [النساء: 25]؛ اي: أدوا حقوقها إلى الله تعالى بالشكر وصرفها في رضا الله تعالى، وإلى الخلق بالشفقة في الإنفاق عليهم، وصلة رحم الأخوة في الله من غير منته ورياءه، { مُحْصَنَٰتٍ } [النساء: 25] بإحصان الصدق والإخلاص، { غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ } [النساء: 25] بالتبذير والإسراف، { وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ } [النساء: 25]؛ يعني: إن يتخذوا الدنيا خدن النفس والهوى، ويحسبوها حب الأخدان، { فَإِذَآ أُحْصِنَّ } [النساء: 25]؛ يعني: إذا أحصنت دنياكم بإحصان الصدق، { فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ } [النساء: 25]، وأتت الدنيا وزهراتها بفاحشة وهي غلبات شهواتها على القلب، { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } [النساء: 25]؛ يعني: ببذل نصف ما ملكت يمينه من الدنيا في الله جناية وعزامة لما أظهر في الفاحشة، فإنه نصف ما على المحصنات في أول الآية، عبر عنها بمنكوحة ذي الطول المستطيع وهي الحسرة، وقلنا هي عجوز الدنيا، وكما أن حد الحرة المحصنة في إتيان الفاحشة إهلاكها بالرحم، وحد الأَمة المحصنة نصف ما على المحصنات، فكذلك حد عجوز الدنيا إذا أحصنها ذو الطول من الرجال فإن أتت بفاحشة أهلكها بالكلية في الله كما كان حال أبي بكر رضي الله عنه، وحد الأَمة المحصنة من الدنيا هلاك نصفها كما كان حال عمر رضي الله عنه، والذي يؤكد هذا التأويل حال سليمان عليه السلام

السابقالتالي
2