الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

{ بشر } مأخوذ من البشرة لأن ما يبشر به الإنسان من خير أو شر يظهر عنه أثر في بشرة الوجه، والأغلب استعمال البشارة في الخير، وقد تستعمل في الشر مقيدة به منصوصاً على الشر المبشر به، كما قال تعالى:فبشرهم بعذاب أليم } [آل عمران: 21، التوبة، 34، الانشقاق:24] ومتى أطلق لفظ البشارة فإنما يحمل على الخير، وفي قوله تعالى: { وعملوا الصالحات } رد على من يقول إن لفظة الإيمان بمجردها تقتضي الطاعات لأنه لو كان ذلك ما أعادها.

و { أن } في موضع نصب بـ { بشرِّ } وقيل في موضع خفض على تقدير باء الجر و { جنات } جمع جنة، وهي بستان الشجرة والنخيل، وبستان الكرم يقال له الفردوس، وسميت جنة لأنها تجن من دخلها أي تستره، ومنه المجن والجنن وجن الليل، و { من تحتها } معناه من تحت الأشجار التي يتضمنها ذكر الجنة وقيل قوله { من تحتها } معناه بإزائها كما تقول داري تحت دار فلان وهذا ضعيف، و { الأنهار } المياه في مجاريها المتطاولة الواسعة، لأنها لفظة مأخوذة من أنهرت أي سعت، ومنه قول قيس بن الخطيم: [الطويل].

ملكت بها كفي فأنْهَرْتَ فَتْقَها   يَرَى قَائِمٌ من دونِها ما وراءَها
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أنهر الدم وذكرَ اسمُ الله عليه فكلوه " معناه ما وسع الذبح حتى جرى الدم كالنهر ونسب الجري إلى النهر وإنما يجري الماء وحده تجوزاً، كما قالواسأل القربة } [يوسف: 82] وكما قال الشاعر: [مهلهل أخو كليب][الكامل]

نُبِّئْتُ أن النارَ بعدَك أوقدتْ   واستبّ بعدك يا كليبُ المجلسُ
وروي أن أنهار الجنة ليست في أخاديد، إنما تجري على سطح أرض الجنة منضبطة، وقوله: { كلما } ظرف يقتضي الحصر وفي هذه الآية رد على من يقول: إن الرزق من شروطه التملك.

قال القاضي أبو محمد: ذكر هذا بعض الأصوليين وليس عندي ببين، وقولهم { هذا } إشارة إلى الجنس أي: هذا من الجنس الذي رزقنا منه من قبل، والكلام يحتمل أن يكون تعجباً وهو قول ابن عباس، ويحتمل أن يكون خبراً من بعضهم لبعض، قاله جماعة من المفسرين.

وقال الحسن ومجاهد: " يرزقون الثمرة ثم يرزقون بعدها مثل صورتها والطعم مختلف فهم يتعجبون لذلك ويخبر بعضهم بعضاً ".

وقال ابن عباس: " ليس في الجنة شيء مما في الدنيا سوى الأسماء، وأما الذوات فمتباينة ".

وقال بعض المتأولين: " المعنى أنهم يرون الثمر فيميزون أجناسه حين أشبه منظره ما كان في الدنيا، فيقولون: { هذا الذي رزقنا من قبل } في الدنيا ".

قال القاضي أبو محمد: وقول ابن عباس الذي قبل هذا يرد على هذا القول بعض الرد.

السابقالتالي
2