الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً }

{ وَقَدْ أَضَلُّواْ } أي الرؤساء { كَثِيراً } خلقاً كثيراً أي قبل هؤلاء الموصين بأن يتمسكوا بعبادة الأصنام فهم ليسوا بأول من أضلوهم ويشعر بذلك المضي والاقتران بقد حيث أشعر ذلك بأن الإضلال استمر منهم إلى زمن الإخبار بإضلال الطائفة الأخيرة. وجوز أن يراد بالكثير هؤلاء الموصين وكان الظاهر وقد أضل الرؤساء إياهم أي الموصين المخاطبين بقولهلاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ } [نوح: 23] فوضع { كَثِيراً } موضع ذلك على سبيل التجريد. وقال الحسن { وَقَدْ أَضَلُّواْ } أي الأصنام فهو كقوله تعالى:رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ ٱلنَّاسِ } [إبراهيم: 36] وضمير العقلاء لتنزيلها منزلتهم عندهم وعلى زعمهم ويحسنه على ما في «البحر» عود الضمير على أقرب مذكور ولا يخفى أن عوده على الرؤساء أظهر إذ هم المحدث عنهم والمعنى فيهم أمكن. والجملة قيل حالية أو معطوفة على ما قبلها.

وقوله تعالى: { وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً } قيل عطف علىرَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي } [نوح: 21] على حكاية كلام نوح عليه السلام بعد { قَالَ } والواو النائبة عنه ومعناه قال: رب إنهم عصوني وقال لا تزد الخ أي قال هذين القولين على أن الواو من كلام الله تعالى لأنها داخلة في الحكاية وما بعدها هو المحكي وإليه ذهب الزمخشري وإنما ارتكب ذلك فراراً من عطف الإنشاء على الخبر.

وقيل عطف عليه والواو من المحكي والتناسب إنشائية وخبرية غير لازم في العطف كما قاله أبو حيان وغيره وفيه خلاف. وفي «الكشف» لك أن تجعله من بابوَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } [مريم: 46] أي فاخذلهم ولا تزدهم. وفي العدول إلى (الظالمين) إشعار باستحقاقهم الدعاء عليهم وإبداء لعذره عليه السلام وتحذير ولطف لغيرهم، وفيه أنه بعض ما يتسبب من مساويهم وهو معنى حسن فعنده العطف على محذوف إنشائي ولعل الأولى أن يقال إن العطف على { رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي } والواو من المحكي والتناسب حاصل.

وقال الخفاجي ((الظاهر أن الغرض من قول: { رَّبِّ إِنَّهُمْ } الخ الشكاية وإبداء العجز واليأس منهم فهو طلب للنصرة عليهم كقولهرَبِّ ٱنصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } [المؤمنون: 26] ولو لم يقصد ذلك تكرر مع ما مر منه عليه السلام فحينئذٍ يكون كناية عن قوله اخذلهم أو انصرني و اظهر دينك أو نحوه فهو من عطف الإنشاء على الإنشاء من غير تقدير، ويشهد له أن الله تعالى سمى مثله دعاء حيث قال سبحانهفَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ } [الدخان: 22] فتدبر)) وهو حسن خال عن التكلف وارتكاب المختلف فيه إلا أن في الشهادة دغدغة.

والمراد بالضلال المدعو بزيادته إما الضلال في ترويج مكرهم ومصالح دنياهم فيكون ذلك دعاء عليهم بعدم تيسير أمورهم وإما الضلال بمعنى الهلاك كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2