الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ }

القراءة: قرأ أهل المدينة والكوفة المخلصين بفتح اللام والباقون بكسر اللام في جميع القرآن. الحجة: قال أبو علي حجة من كسر اللام قولهأخلصوا دينهم لله } [النساء: 146] ومن فتح اللام فيكون بنى الفعل للمفعول به ويكون معناه ومعنى من كسر اللام واحد فإذا أخلصوا دينهم فهم مخلصون وإذا أخلصوا فهم مخلَصون. اللغة: الهمّ في اللغة على وجوه منها العزم على الفعل كقوله تعالىإذ همَّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم } [المائدة: 11] أي أرادوا ذلك وعزموا عليه ومنه قول ضابئ البرجمي:
هَمَمْتُ وَلَم أَفْعَلْ وَكِدْتُ وَلَيْتَني   تَرَكْتُ على عُثْمانَ تَبْكي حَلائلُهُ
وقول حاتم طيء:
وَللَّهِ صَعْلُـوكٌ يشــاور هَمَّـــه   وَيَمْضي عَلَى الأيّامِ وَالدَّهْرِ مُقْدِما
وقول الخنساء:
وَفَضَّل مِرْداساً عَلَى النَّاسِ جُمْلَةً   وَإنْ كُــلّ هَـمّ هَمَّـهُ فَهْــوَ فاعِلُهُ
ومنها خطور الشيء بالبال وإن لم يقع العزم عليه كقولـهإذ همَّت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليُّهما } [آل عمران: 122] يعني أن الفشل خطر ببالهم ولو كان الهم ههنا عزماً لما كان الله وليهما لأن العزم على المعصية معصية ولا يجوز أن يكون الله وليُّ من عزم على الفرار عن نصرة نبيه عليه وآله السلام ويقوِّي ذلك قول كعب بن زهير:
فَكَــمْ فيهِـم مِنْ فارِسٍ مُتَــوَسِّعٌ   وَمِنْ فاعِلٍ لِلْخَيْرِ إنْ هَمَّ أوْ عَزَمَ
ففرَّق بين الهمّ والعزم ومنها أن يكون بمعنى المقاربة قالوا همَّ فلان أن يفعل كذا أي كاد يفعله قال ذو الرمة:
أَقُولُ لِمَسْعُودٍ بِجَرْعاءَ مالِكٍ   وَقَدْ هَمَّ دَمْعي أَنْ تَلِجَّ أوائلُه
والدمع لا يجوز عليه العزم ومعناه كاد وقارب وقال أبو الأسود الدؤلي:
وَكُنْتَ مَتى تَهْمَمْ يَمينُكَ مَرَّةً   لِتَفْعَــلَ خَيْــراً تَقْتَفيها شِمالُكا
وعلى هذا جاء قوله جداراً يريد أن ينفض أي يكاد وقال الحارثي:
يُريدُ الرُّمْحُ صَدْرَ أَبِي بَـراءٍ   وَيَرْغَبُ عَنْ دِماء بَني عَقِيلِ
ومنها الشهوة ونيل الطباع يقول القائل فيما يشتهيه ويميل طبعه إليه هذا أهمُّ الأشياء إليَّ وفي ضدّه ليس هذا من همّي وإذا كانت معاني الهم في اللغة مختلفة يجب أن ينفي عن نبي الله يوسف ع ما لا يليق به وهو العزم على القبيح لأن الدليل قد دلَّ على أن الأنبياء لا يجوز المعاصي والقبائح عليهم وأجزنا عليهم ما سواه من معاني الهم لأن كل واحد من ذلك يليق بحاله. المعنى: { ولقد همَّت به وهمَّ بها لولا أن رأى برهان ربه } اختلف العلماء فيه على قولين أحدهما: أنه لم يوجد من يوسف ذنب كبير ولا صغير والآخر: أنه وجد منه العزم على القبيح ثم انصرف عنه فأما الأولون فإنهم اختلفوا في تأويل الآية على وجوه أحدها: أن الهمّ في ظاهر الآية قد تعلق بما لا يصح تعلق العزم به على الحقيقة لأنه قال ولقد همَّت به وهمَّ بها فعلَّق الهم بهما وذاتاهما لا يجوز أن يرادا ويعزم عليهما لأن الموجود الباقي لا يصح أن يراد ويعزم عليه فإذا حملنا الهم في الآية على العزم فلا بدَّ من تقدير أمر محذوف يتعلق العزم به وقد أمكن أن نعلق عزمه ع بغير القبيح ونجعله متناولاً لضربها أو دفعها عن نفسه فكأنه قال ولقد همت بالفاحشة منه وأرادت ذلك وهم يوسف ع بضربها ودفعها عن نفسه كما يقال هممت بفلان أي بضربه وإيقاع مكروه به وعلى هذا فيكون معنى رؤية البرهان أن الله سبحانه أراه برهاناً على أنه إن أقدم على ما همَّ به أهلكه أهلها أو قتلوه أو ادعت عليه المراودة على القبيح وقذفته بأنه دعاها إليه وضربها لامتناعها منه فأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء والفحشاء اللذين هما القتل وظن اقتراف الفاحشة به ويكون التقدير لولا أن رأى برهان ربه لفعل ذلك ويكون جواب لولا محذوف كما حذف فيه قولـه تعالى

السابقالتالي
2 3 4