الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

{ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ } أي: لا حرج عليكم أيها الخاطبون في التعريض بخطبتكم النساء المتوفى عنهن أزواجهن قبل انقضاء العدة لتتزوجوهن بعد انقضائها. والتعريض: إفهام المقصود بما لم يوضع له، حقيقةً ولا مجازاً. كأن يقال لها: إنك جميلة أو صالحة، أو ربّ راغب فيك، أو من يجد مثلك. والخطبة - بالكسر - طلب المرأة. { أَوْ } - فيما - { أَكْنَنتُمْ } أي: أضمرتم من نكاحهنّ { فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } أي: قلوبكم وإن كان حقه التحريم فضلاً عن التعريض باللسان، لكن أباحه الله لكم إذ { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ } أي: لا تصبرون عن النطق برغبتكم فيهن فرخص لكم في التعريض دون التصريح، وفيه طرف من التوبيخ على قلة التثبت كقوله تعالى:عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ } [البقرة: 187]. { وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً } هذا الاستدراك من قوله: { فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ }. و { سِرّاً } مفعول به لأنه بمعنى النكاح. أي: لا تواعدوهن نكاحاً. أو هو بمعنى ضد الجهر والإعلان فيكون مصدراً في موضع الحال تقديره مستخفين بذلك والمفعول محذوف تقديره لا تواعدوهن النكاح سراً، أو صفة لمصدر محذوف أي: مواعدة سراً، أو التقدير في سر فيكون ظرفاً. وإنما نهى عن ذلك لأن المواعدة بذكر الجماع والرفَث بين الأجنبيّ والأجنبية غير جائز إجماعاً. كالمواعدة بينهما على وجه السرّ. إذْ لا تنفك ظاهراً عن أن تكون مواعدة بشيء من المنكرات.

قال ابن عطية: أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو رفث من ذكر جماعٍ أو تحريض عليه لا يجوز. وقال أيضاً: أجمعت الأمة على كراهة المواعدة في العدة للمرأة في نفسها، وللأب في ابنته البكر، وللسيد في أمَتِهِ.

وقوله تعالى: { إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } ، أي: لا يستحيي منه عند أحدٍ من الناس. فآل الأمر إلى أن المعنى: لا تواعدوهن إلا ما لا يستحيى من ذكره فيُسر وهو التعريض؛ فَنَصَّتْ هذه الآية على تحريم التصريح. بعد إفهام الآية الأولى لذلك، اهتماماً به لما للنفس من الداعية إليه - أفاده البقاعيّ.

وقال الرازي: لما أذِنَ تعالى في أول الآية بالتعريض ثم نهى عن المسارّة معها دفعاً للريبة والغيبة، استثنى عنه أن يساررها بالقول المعروف. وذلك أن يعدها في السرّ بالإحسان إليها، والاهتمام بشأنها، والتكفّل بمصالحها حتى يصير ذكر هذه الأشياء الجميلة مؤكداً لذلك التعريض، والله أعلم.

تنبيه

ما قدمناه من أنّ قوله تعالى: { وَلَـٰكِن... } إلخ استدراك من قوله: { فِيمَا عَرَّضْتُمْ } قاله أبو البقاء. وجعل الزمخشري المستدرك محذوفاً دلّ عليه { سَتَذْكُرُونَهُنَّ } أي: فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن سرّاً.

قال الناصر: وقويت دلالة هذا المذكور على ما حذف، لأن المعتاد في مثل هذه الصيغة ورود الإباحة عقيبها.

السابقالتالي
2