الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ }

{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } بيان لحسن حال المؤمنين إثر بيان سوء حال الكفرة، وغير الأسلوب فيه بإسناد الإدخال إلى الاسم الجامع وتصدير الجملة بحرف التحقيق وفصلها للاستئناف إيذاناً بكمال مباينة حالهم لحال الكفرة وإظهاراً لمزيد العناية بأمر المؤمنين ودلالة على تحقيق مضمون الكلام { يُحَلَّوْنَ فِيهَا } بالبناء للمفعول والتشديد من التحلية بالحلي أي تحليهم الملائكة عليهم السلام بأمره تعالى، وقوله تعالى: { مِنْ أَسَاوِرَ } قيل متعلق بيحلون، و { مِنْ } ابتدائية والفعل متعد لواحد وهو النائب عن الفاعل، وقيل: متعلق بمحذوف وقع صفة لمفعول محذوف و(من) للبيان والفعل متعد لاثنين أحدهما النائب عن الفاعل والآخر الموصوف المحذوف أي يحلون حلياً أو شيئاً من أساور، وعلى القول بتعدي هذا الفعل لاثنين جوز أن تكون (من) للتبعيض واقعة موقع المفعول، وأن تكون زائدة على مذهب الأخفش من جواز زيادتها في الإيجاب و { أَسَاوِرَ } مفعول { يُحَلَّوْنَ }.

وقوله تعالى: { مّن ذَهَبٍ } / صفة لأساور، و { مِنْ } للبيان، وقيل: لابتداء الغاية أي أنشئت من ذهب، وقيل: للتبعيض وتعلقه بيحلون لا يخفى حاله، وقرىء { يحلون } بضم الياء والتخفيف، وهو على ما في «البحر» بمعنى المشدد، ويشعر كلام بعض أنه متعد لواحد وهو النائب الفاعل فمن أساور متعلق به و(من) ابتدائية. وقرأ ابن عباس { يحلون } بفتح الياء واللام وسكون الحاء من حليت المرأة إذا لبست حليها، وقال أبو حيان: إذا صارت ذات حلي، وقال أبو الفضل الرازي: يجوز أن يكون من حلي بعيني يحلى إذا استحسنته وهو في الأصل من الحلاوة وتكون (من) حينئذٍ زائدة، والمعنى يستحسنون فيها الأساورة، وقيل: هذا الفعل لازم و(من) سببية، والمعنى يحلى بعضهم بعين بعض بسبب لباس أساور الذهب. وجوز أبو الفضل أن يكون من حليت به إذا ظفرت به، ومنه قولهم: لم يحل فلان بطائل، و(من) حينئذٍ بمعنى الباء أي يظفرون فيها بأساور من ذهب. وقرأ ابن عباس { من أسور } بفتح الراء من غير ألف ولا هاء، وكان قياسه أن يصرف لأنه نقص بناؤه فصار كجندل لكنه قدر المحذوف موجوداً فمنع الصرف، وقد تقدم الكلام على نظير هذه الجملة في الكهف [31] فتذكر.

وقوله تعالى: { وَلُؤْلُؤاً } عطف على محل { مِنْ أَسَاوِرَ } أو على الموصوف المحذوف، وحمله أبو الفتح على إضمار فعل أي ويؤتون لؤلؤاً أو نحو ذلك. وقرأ أكثر السبعة والحسن في رواية وطلحة وابن وثاب والأعمش وأهل مكة { ولؤلؤ } بالخفض عطفاً على { أَسَاوِرَ } أو على { ذَهَبَ } لأن السوار قد يكون من ذهب مرصع بلؤلؤ وقد يكون من لؤلؤ فقط كما رأيناه ويسمى في ديارنا خصراً وأكثر ما يكون من المرجان.

السابقالتالي
2