الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }

والضميرُ في " إنَّه لحقٌّ ": إمَّا للقرآنِ، وإمَّا للدينِ، وإمَّا لليوم في قولِه:وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَاقِعٌ } [الذاريات: 6]يَوْمَ هُم } [الذاريات: 13]يَوْمُ ٱلدِّينِ } [الذاريات: 12] وإمَّا للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.

قوله { مِثْلَ مَا } الأخَوان وأبو بكر " مثلُ " بالرفع، وفيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه خبرٌ ثانٍ مستقلٌّ كالأولِ. والثاني: أنه مع ما قبله خبرٌ واحدٌ نحو: هذا حُلْوٌ حامِضٌ، نقلهما أبو البقاء. والثالث: أنَّه نعتٌ لـ " حق " و " ما " مزيدةٌ على ثلاثةِ الأوجهِ. و " أنَّكم " مضافٌ إليه أي: لَحَقٌّ مثلُ نُطْقِكم. ولا يَضُرُّ تقديرُ إضافتِها لمعرفةٍ لأنها لا تتعر‍َّفُ بذلك لإِبهامِها.

والباقون بالنصبِ وفيه أوجهٌ، أشهرُها: أنه نعتٌ لـ " حَقٌّ " كما في القراءةِ الأولى، وإنما بُنِي الاسم لإِضافتِه إلى غيرِ متمكنٍ، كما بناه الآخرُ في قولِه:
4105ـ فتَداعَى مَنْخِراه بدَمٍ   مثلَ ما أثمرَ حَمَّاضُ الجَبَلْ
بفتح " مثلَ " مع أنها نعتٌ لـ " دم " وكما بُنِيَتْ " غيرَ " في قوله:
4106ـ لم يَمْنَعِ الشُّرْبَ منها غيرَ أَن نَطَقَتْ   حمامةٌ في غُصونٍ ذاتِ أَوْقالِ
" غيرَ " فاعلُ " يَمْنع " فبناها على الفتح لإِضافتِها إلى " أنْ نَطَقَتْ " وقد تقدَّم في قراءةِ { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } [الأنعام: 94] بالفتحِ ما يُغْني عن تقريرِ مثل هذا.

الثاني: أنَّ " مثلَ " رُكِّب مع " ما " حتى صارا شيئاً واحداً. قال المازني: " ومثلُه: وَيْحَما وهَيَّما وأَيْنَما " وأنشد لحميد بن ثور:
4107ـ ألا هَيَّما مِمَّا لَقِيْتُ وهَيَّما   ووَيْحاً لِمَنْ لم يَدْرِ ما هُنَّ وَيْحَما
قال: فلولا البناءُ لكان منوَّناً. وأنشد أيضاً:
4108ـ............................   فأكْرِمْ بنا أُمَّاً وأكْرِمْ بنا ابْنَما
وهذا الذي ذكرَه ذهب إليه بعضُ النَّحْويين، وأَنْشد:
4109ـ أثورَ ما أَصِيْدُكم أم ثورَيْنْ   أم هذه الجَمَّاءَ ذاتَ القرنَيْنْ
وأمَّا ما أنشدَه مِنْ قولِه: " وأكرِمْ بنا ابنَما " فليس هذا من الباب لأنَّ هذا " ابن " زِيْدَتْ عليه الميم. وإذا زِيْدَتْ عليه الميمُ جُعِلَتِ النونُ تابعةً للميم في الحركاتِ على الفصيح، فتقول: هذا ابنمٌ، ورأيت ابنَماً، ومررت بابنِم، فتُجْري حركاتِ الإِعراب على الميم وتَتْبَعُها النونُ. " وابنما " في البيت منصوبٌ على التمييز، فالفتحُ لأجلِ النصبِ لا للبناءِ، وليس هذه " ما " الزائدةَ، بل الميمُ وحدَها زائدةٌ، والألفُ بدلٌ من التنوين.

الثالث: أنَّه منصوبٌ على الظرفِ، وهو قولُ الكوفيين، ويجيزون " زيدٌ مثلَك " بالفتح. ونقله أبو البقاء عن أبي الحسن، ولكن بعبارةٍ مُشْكِلةٍ فقال: " ويُقْرَأ بالفتح، وفيه وجهان، أحدُهما: هو مُعْرَبٌ. ثم في نصبِه أوجهٌ ". ثم قال: " أو على أنه مرفوعُ الموضعِ، ولكنَّه فُتحَ كما فُتح الظرفُ في قوله:

السابقالتالي
2