الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }

وفي المقسم عليه وجوه أحدها: { مَّا تُوعَدُونَ } أي ما توعدون لحق يؤيده قوله تعالى:إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَـٰدِقٌ } [الذاريات: 5] وعلى هذا يعود كل ما قلناه من وجوه { مَّا تُوعَدُونَ } إن قلنا إن ذلك هو الجنة فالمقسم عليه هو هي. ثانيها: الضمير راجع إلى القرآن أي أن القرآن حق وفيما ذكرناه في قوله تعالى:يُؤْفَكُ عَنْهُ } [الذاريات: 9] دليل هذه وعلى هذا فقوله: { مّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } معناه تكلم به الملك النازل من عند الله به مثل ما أنكم تتكلمون وسنذكره. ثالثها: أنه راجع إلى الدين كما في قوله تعالى:وَإِنَّ ٱلدّينَ لَوَاقِعٌ } [الذاريات: 6]. رابعها: أنه راجع إلى اليوم المذكور في قوله:أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدّينِ } [الذاريات: 12] يدل عليه وصف الله اليوم بالحق في قوله تعالى:ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ } [النبأ: 39]. خامسها: أنه راجع إلى القول الذي يقال:هَـٰذَا ٱلَّذِى كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } [الذاريات: 14] وفي التفسير مباحث: الأول: الفاء تستدعي تعقيب أمر لأمر فما الأمر المتقدم؟ نقول فيه وجهان. أحدهما: الدليل المتقدم كأنه تعالى يقول: إن ما توعدون لحق بالبرهان المبين، ثم بالقسم واليمين. ثانيهما: القسم المتقدم كأنه تعالى يقول: { وَٱلذرِيَـٰتِ } ثم { وَرَبُّ ٱلسَّمَاء وٱلأَرْضِ } وعلى هذا يكون الفاء حرف عطف أعيد معه حرف القسم كما يعاد الفعل إذ يصح أن يقال ومررت بعمرو، فقوله:وَٱلذرِيَـٰتِ ذَرْواً فَٱلْحَـٰمِلَـٰتِ وِقْراً } [الذاريات: 1، 2] عطف من غير إعادة حرف القسم، وقوله: { فَوَرَبّ ٱلسَّمَاء } مع إعادة حرفه، والسبب فيه وقوع الفصل بين القسمين، ويحتمل أن يقال الأمر المتقدم هو بيان الثواب في قوله:يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } [الذاريات: 13] وقوله:إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ } [الذاريات: 15] وفيه فائدة، وهو أن الفاء تكون تنبيهاً على أن لا حاجة إلى اليمين مع ما تقدم من الكشف المبين، فكأنه يقول ورب السماء والأرض إنه لحق، كما يقول القائل بعدما يظهر دعواه هذا والله إن الأمر كما ذكرت فيؤكد قوله باليمين، ويشير إلى ثبوته من غير يمين. البحث الثاني: أقسم من قبل بالأمور الأرضية وهي الرياح وبالسماء في قوله:وَٱلسَّمَاء ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } [الذاريات: 7] ولم يقسم بربها، وههنا أقسم بربها نقول كذلك الترتيب يقسم المتكلم أولاً بالأدنى فإن لم يصدق به يرتقي إلى الأعلى، ولهذا قال بعض الناس إذا قال قائل وحياتك، والله لا يكفر وإذا قال: والله وحياتك لا شك يكفر وهذا استشهاد، وإن كان الأمر على خلاف ما قاله ذلك القائل لأن الكفر إما بالقلب، أو باللفظ الظاهر في أمر القلب، أو بالفعل الظاهر، وما ذكره ليس بظاهر في تعظيم جانب غير الله، والعجب من ذلك القائل أنه لا يجعل التأخير في الذكر مفيداً للترتيب في الوضوء وغيره. البحث الثالث: قرىء مثل بالرفع وحينئذ يكون وصفاً لقوله لحق ومثل وإن أضيف إلى المعرفة لا يخرجه عن جواز وصف المنكر به، تقول رأيت رجلاً مثل عمرو، لأنه لا يفيده تعريفاً لأنه في غاية الإبهام وقرىء: { مَثَلُ } بالنصب، ويحتمل وجهين.

السابقالتالي
2