الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ }

واختلف العلماء في معنى كلمة { لاَ جَرَمَ } ، والمعنى العام حين تسمع كلمة { لاَ جَرَمَ } أي: حق وثابت، أو لا بد من حصول شيء محدد. وحين يقول الحق سبحانه:لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ.. } [النحل: 62]. أي: حَقَّ وثبت أن لهم النار نتيجة ما فعلوا من أعمال، وتلك الأعمال مقدمة بين يدي عذابهم، فحين نسمع { لاَ جَرَمَ } ومعها العمل الذي ارتكبوه، تثق في أنه يحق على الله - سبحانه - أن يعذبهم. وقال بعض العلماء: إن معنى: { لاَ جَرَمَ } حق وثبت. وقال آخرون: إن معنى { لاَ جَرَمَ } هو لا بد ولا مفر. والمعنيان ملتقيان لأن انتفاء البُدِّية يدل على أنها ثابتة. وكان يجب على العلماء أن يبحثوا في مادة الكلمة، ومادة الكلمة هي " الجرم " ، والجرم: هو القطع، ويقال: جرم يده، أي: قطع يده. وقول الحق سبحانه هنا: { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } [هود: 22]. أي: لا قَطْع لقول الله فيهم بأن لهم النار، ولا شيء يحول دون ذلك أبداً، ولا بد أن ينالوا هذا الوعيد وهكذا التقى المعنى بـ " لا بد ". إذن: فساعة تسمع كلمة " لا جرم " ، أي: ثبت، أو لا بد من حدوث الوعيد. وأيضاً تجد كلمة " الجريمة " مأخوذة من " الجرم " ، وهي قطع ناموس مستقيم، فحين نقرر ألا يسرق أحد من أحد شيئاً، فهذا ناموس مستقيم، فإن سرق واحد من آخر، فهو قد قطع الأمن والسلام للناس، وأيُّ جريمة هي قَطْع للمألوف الذي يحيا عليه الناس. وأيضاً يقال: جرم الشيء أي: اكتسب شرَّه، ومنه الجريمة، ولذلك يقال: من الناس من هو " جارم " وهي اسم فاعل من الفعل: " جرم " ، مثل كلمة " كاتب " من الفعل " كتب " و " مجروم عليه " وهي اسم مفعول، مثلها مثل " مكتوب ". فإن أخذت الجريمة من قطع الأمر السائد في النظام، فهؤلاء الذين افتروا على الله وظلموا وصدوا عن سبيل الله، فلا جريمة في أن يعذبهم الله بالنار. ومثل هذه العقوبة ليست جريمة لأن العقوبة على الجريمة ليست جريمة، بل هي مَنْع للجريمة. وهكذا تلتقي المعاني كلها، فحين نقول: { لاَ جَرَمَ } فذلك يعني أنه لا جريمة في الجزاء لأن الجريمة هي الآثام العظيمة التي ارتكبوها. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا.. } [الشورى: 40]. وقد سمَّاها الحق سيئة لأنها تسيء إلى المجتمع أو تسيء إلى الفرد نفسه. ولهذا يقول الحق سبحانه:وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ.. } [النحل: 126].

السابقالتالي
2